Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

أطفال دخلوا التاريخ يا قتلة الأطفال!

محمد فارس

كان الخليفة [عمر بن عبد العزيز] رضي الله عنه يلتمس الحكمة والصواب وراء أَلْسِنة الصادقين حتى حين يكون أحدهم طفلاً.. قدِمَ عليه وفدٌ من المدينة يومًا، وتقدّم من بينهم طفلٌ صغير ليتحدّث باسمهم ويعرض قضيتَهم، فتملاه أميرُ المؤمنين، وقال له: يا بني، دعِ القول لمن هو أسنُّ منكَ.. ويبدو أنّ الطفل العربي الأصيل كان يَحْمل نبوغًا مبكّرًا، فقد أجاب الخليفةَ من فوره، وقال: يا أميرَ المؤمنين، المرء بأصغَريْه: قلبِه ولسانه، ولو كان الأمرُ بالسِّن، لكان في المسلمين من هو أحقّ بهذا الأمر منكَ.. وفجأة تنْثال دموعُ الغِبْطة والفرح من عيْنيْ (عمر بن عبد العزيز)، ويتهلَّل وجهُه ويهتف بالطّفل الصغير قائلاً: صدقْت، صدَقت؛ عِظْني يا بُني! والتعليق للسادة القراء الكرام..

حاصَر [صلاحُ الدين الأيّوبي] مدينة [حلب] حتى اضطرّ [كمشْتَكين] و[سيف الدين غازي] إلى طلبِ الصلح، فكانا يرسلان مبعوثين إليه، فكان [صلاحُ الدين] لا يستقبلهم إطلاقًا، فخطر لهما أن يُرسلا ابنة [نور الدين]، وكانت طفلةً صغيرةً إلى معسكر [صلاح الدين]، فقيل: يا أمير المؤمنين، مبعوثٌ بباب المعسكر؛ فأذنَ للمبعوث بالدخول عليه، ثم كانت المفاجأة؛ كان المبعوث طفلةً صغيرةً، فلما رآها [صلاحُ الدين]، قام من مقامه، وجثَم على ركبتيْه، وقبَّل يدَها الصغيرة، وأجْلسها إلى جانبه ليسمع طلبها، فناولتْه كتابًا به التماس، فنزَل [صلاح] عند طلبِها، وقد أحاطها بأكبر قدْر من اللّطف والعطْف، وأغدقَ عليها الهدايا، ونزولاً عند طلبها، ردَّ إلى أخيها جميع المدُن التي كانت قد استولى عليها من إمارة [حلب]، وعقدَ معاهدة مع أخيها، أقرَّه بموجبها على ولاية [دمشق]..

في سنة (1983) ازدادت حدّة التوتر بين (الولايات المتحدة الأمريكية) و(الاتحاد السّوڤياتي) بعد وفاة [لينونيد بريجنيڤ]، وتولّى الحُكْمَ [وِيلي أندروبوڤ] أيام [رونالد ريغان] في [البيت الأبيض]، فقيل للرئيس الرّوسي إن مبعوثَ سلام قادِم من أمريكا؛ فخرج لاستقباله شخصيًا في مطار [موسكو]، ولما فتِحَ بابُ الطّائرة، نزلَ المبعوثُ وكان طفلةً أمريكيةً في سنّ الحادية عشرة؛ فتقدّم [ويلي أندروبوڤ]، وانحنى أمام الطفلة، وقبّل يدَها الصغيرة، وامتطت معه سيارتَه السّوداء نحوَ [الكريمْلين] وفي مقر الرئاسة، جالسها على انفراد، وسمع منها، حيث قالت له: هل فعلاً ينوي [الاتّحاد السّوفياتي] الهجومَ على [الولايات المتحدة الأمريكية]؟ فأجابها الرئيسُ قائلاً: كلاّ! هذا لم يحصُل ولن يحصُل أبدًا، فالشعب الأمريكي صديق، وقد تحالفْنا معه لهَزم النازية، هذا كلامٌ تروّجُ له وسائلُ الإعلام في بلادكم، وتضلّلُكم به وتخوِّفُكم من الروس وهي ادّعاءات مُغرضة لا أساس لها من الصحة؛ اِطمئنّي، فأنا صادقٌ معكًِ، وقد تشرّفتُ بزيارتِك.. وفي اليوم الثاني، رافقها لزيارة معامل السلاح، والصّواريخ، وأكّد لها أنها أسلحة دفاعية وليست هجومية إطلاقًا.. وفي اليوم الثالث، رافقها إلى المطار، وكان في توديعها أكبر شخصيات [الكريمْلين]، وهو شرف لم ينْعم به حتى كبار الرؤساء الذين زاروا [موسكو]؛ ولما وصلت الطّفلةُ إلى [واشنطن] تدافَعَ نحوها الصّحفيون، والمصوّرون؛ وفي اليوم التالي، استقبلها الرئيسُ الأمريكي [ريغان] في [البيت الأبيض] استقبال الكبار، ودار بينهما حوار على انفراد؛ وبعد ثمانية أشهر، مات [الرئيس السّوڤياتي]، وبعد سنة ماتتِ الطّفلة وحزن الأمريكيون على موتها، وقد كانت الأصلَ في التّخفيف من حدّة التّوتّر آنذاك.. هؤلاء الأطفال، نحن اليوم نغتصبهم، ونقتلهم، وهم آمالُ ومستقبل الأمّة؛ لكنْ ما باليد حيلة ثم الأمر لله وحْده عزّ وجلّ..

وقبل الختام، أقدّم هذه الأغنية لأمٍّ روسية، قتل النازيون طفلَها كما يقْتلُ (النازيون الجدد) أطفالنا، وكما قَتل (الصّهاينة) الطّفل [محمّد الدُّرة] وهو في حضن أبيه في [فلسطين] المحتلّة؛ أُقدّم هذه الأغنية الرِّثائية لكلّ أمٍّ مكلومة في [المغرب] بعدما قُتِل طفلُها، والقتلةُ ينعمون بحياة لا يسْتحقّونها، ولا حقّ لهم في العيش بيننا، فمأواهم القبور، وليس لهم غيْر القبور؛ تقول الأمّ المكلومة أمام جثة طفلها المقتول: [وداعًا يا بُنَي.. وداعًا يا مهجة القلب.. يا روح الشباب، يا عزائي وسلْواني.. يا وحيدي وواحدي.. ولْيَكُنْ هذا الوداعُ نهاية قصّة الوحدة الصّعبة التي لم يَشْعُر بها أحدٌ من قَبل.. هذه القصّة التي بِنهايتها، سينتهي لقاؤُكَ بالضّياء.. موتُكَ يا وحيدي سَيكون دون انبعاث، فأنتَ ستبقى إلى الأبد كما أنتَ، صغيرًا.. وداعًا إذنْ، فلا مُعجزات ستحْدث، ففي هذا العالم لا تتحقّق الأحلام.. وداعًا، سأظلّ أحلُم بكَ وأنتَ صغيرٌ تَضرب الأرضَ بِقدميك.. هذه الأرض التي تحت ترابِها دُفِن الكثيرون.. فلا قطارات ستأتي عائدةً بمواقيت أو دُون مواقيت، ولا طائرات ستحلِّق فوق السّهول المجهولة حاملةً إليّ بُشْراك.. سيتذكّركَ أصدقاؤُك، أو عندما نجلس حوْل الموقد لِلتّدفئة.. سنبكيك في صمت، وستكون حياتُكَ أطْوَل من حياة قاتلِك.. وداعًا إذنْ يا حبيبي، سأشتاق إليكَ أبدَ الدّهر.. هذه الأغنيةُ لابْني قد وصلتْ إلى نهايتها]..

 

Exit mobile version