Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

أُممٌ سَقطت بِسقوط الأخلاق وانتشار الرّذائل

محمد فارس
قال أحد المفكرين إن حضارةً بلا أخلاق، وبلا قيم، هي بناء أَجْوف لا قيمةَ له، فكم من حضارات انهارت، وإمبراطوريات اختفت وأصبحت نسيًا منسيا بسبب انهيار الأخلاق، وتآكُل القيم، وتداعي الدين، وهذه حقيقةٌ يؤكّدها التاريخ البشري، وتَكشفُها البحوث العلمية والأنتروبولوجية.. ولَعَمْري إذا سمَا الإنسانُ إلى المرتبة المنشودة التي هي الحفاظ على الأخلاق والتّشبث بالقيم، فإن أرضنا تكون الجنّة التي وُعِدَ بها المتّقون، ولكنْ أنّى للإنسان أن يصل إلى تلك المرتبة، فنحن كلّما تقدَّمنا خطوةً نحو الأخلاق الفاضلة، رجعنا ثانية، بل تقَهقَرنا إلى ما ورائها؛ والواقع، أن العالمَ الآن في دَركٍ خُلقي مَشين، وأنّ أخلاقنا الآن تنجذب بقوّة نحو مساوئ الأخلاق من شذوذ، ومِثْلية، وزِنا، وخمور، ومخدِّرات، وسيَبقى الحالُ كذلك لِوُجود مَن يُثير، ويشجّع، ويفشي هذه الـمُنكرات تحت شعاراتٍ زائفة مثْل: الحرية، وحقوق الأقلّيات، وتقبّل الآخر، وسيبقى الحالُ كذلك، بل سيزدادُ سوءًا إلى أن يتيح الله للعالم مَن يُطفِئ تغَلْغُل نار اللاّأخلاقيات في قلوب الشّعوب..
وحتى لا أكون مجرّد إنشائي في كتابتي، فإنّي سأُوردُ خبرًا صادمًا حدَث منذ أيام في [أوكرانيا]، حيث حضر الرئيسُ [زيلنْسكي] حفلَ زواج مِثْليَيْن، وأكّد عزْمَه على إصدار قانون يبيح الـمِثْليةَ في البلاد لطَمْأَنة الشّواذ الموجودين في الجيش الأوكراني الذي يحارب [روسيا]، وقد سَخر [بوتين] من ذلك، وقال: من أجْل ذلك نحارب [أوكرانيا] والغرب، ووافقه في رأيِه بابا الكنيسة الأرثوذكسية في [موسكو]، حيث رأى أنّ هذه الحرب هي حربٌ ضدّ الخطيئة؛ أنت ترى الآن [أوروبا] الغربية و[أمريكا] تعيشان واقعًا مريرًا بسبب الحرب في [أوكرانيا]، فيما المجتمع الرّوسي، ورغْم العقوبات، لا يعاني من أيّ نقص، ولم تتداعَ عُمْلة الرُّوبَل، وعندما سيحلّ فصل البرد القارس ستعاني [أوروبّا] الأمرّين، ولا أعتقد أنّ جيش الـمِثْليين سينتصر على جيش الرّجال الروسي، فرئيسُ [روسيا] حريصٌ على الأخلاق، كما أنّه لا يعاقِر الخمر، ومنع سنة (2013) أيّ تظاهُر لِلْمثْليين..
قد يسأل القارئ الكريم: هَل في التاريخ دلائل على أُممٍ سقطت بسبب سقوط الأخلاق وانتشار الرذائل وتَفشّي المنكرات في مجتمعاتها؟ الجواب: نعم! إننا عندما نَدرس التاريخ، نريد أن نجعله وسيلةً لتثقيف الناس، وسبيلاً إلى رفع وعْيِهم، ومساعدتِهم على حلِّ ما يعانون من مشْكلات راهنة، وتفادي المخاطِر الـمُحْدِقة، وهذا التاريخُ يبيِّن لنا قيمةَ الأخلاق والقِيَم والسّلوك الفاضل والـمُثُل العليا وهي الأصل في استمرار الأمم وتماسُكِها ورُقيِّها، وأممُ الرّذائل، ومجتمعاتُ الانحلال فإلى زوال، وإنْ طال الأمد؛ لقد رأينا كيف دمّر الله قَوْم [صادوم] و[عامِرة]، ومِن [صادوم] اشتُقّت اليوم لفظةُ [Sodomie] التي تَعني الشّذوذ الجنسي؛ وفي الإنجيل، هناك فصْل كامل يحكي قصّةَ ما نَزلَ بِـ[صادوم] و[عامِرة]، وكلاهما عُرِفَتا بشذوذهما وفسْقِهمَا حتى أتاهما اليقين.. التاريخُ يحكي لنا كيف انهارت دولة العبّاسيين بسبب انتشار الشّذوذ في الأمة، وتفشّي ظاهرة الغِلْمان، فصارت الدّولة تعاقب كلّ من سَخِر من الشّواذ، حتى لإنّ قاضي القُضاة [يحْيى بن الأكثم] كان أَلْوَطَ قاضٍ في زمانه، أَصدَر قانونًا يَحمي الشّواذ، ويعاقب كلّ من سَخِر منهم حتى صارت دولةُ العبّاسيين أُلعوبةً بيد الأتراك، هم من يعيِّن الخليفة ثمّ يَقتله أو يعزله..
وهناك تاريخ [العُبيْديين] الذين سمّتهم بِـ[الفاطميين] جهلَةُ العوام، ويقول [جلال الدين السّيوطي] في كتابه [تاريخ الخلفاء]: (إنّ أكثرهم زنادقة، خارجون عن الإسلام، ومنهم من أباح الخمر، والزنا، والشّذوذ، والمنكرات)؛ لقد حَكموا [المغرب]، ولكن لطُغيانِهم، وفجُورهم، وفسْقِهم، طَردهم المغاربةُ، فانتقلوا إلى [مصر] حيث كانت تعاني من الرّذائل والفِسق بسبب [الأخشيد] الذي كانت ابنتُه تمارس الشّذوذَ الجنسي مع الجاريات، فرحّب المصريون بالعُبيْديين، ظنّا منهم أنّهم سيَنشرون العدل، ويحافظون على الأخلاق والقيم، ولكنّهم كانوا كما يقول [السّيوطي] أشدّ شرّا من التَّتر، فانتشرتِ الرّذائلُ من شذوذ، وزندقةٍ، وفسقٍ حتى لإنّ (السّيوطي) اعتَذرَ وامتنَع في كتابه عن ذِكرهِم والتّأريخ لهم.. وقال [الباقلاّني]: (كان المهدي عبيْد الله خبيثًا، وملعونًا، وحريصًا على إزالة ملّة الإسلام، وأعدم العلماء، وجاء أولادُه على أسلوبه حيث أباحوا الخمور، والزّنا، والشّذوذ، وأشاعوا الرفض، وغيَّروا الشريعة الإسلامية وخصوصًا في ما يتعلّق بالإرث، لكنّ [صلاح الدين الأيّوبي] دكّ سلطانهم، وأزال دولتهم إلى الأبد..

Exit mobile version