في عملية أمنية نوعية تخللتها مشاهد أقرب إلى أفلام الإثارة، أعلنت السلطات المغربية إحباط مخطط إرهابي وشيك كان يستهدف البلاد في توقيت دقيق، وذلك قبل يوم واحد فقط من احتضان العاصمة الرباط لقرعة كأس أمم إفريقيا 2025. العملية التي نُفذت في منطقة حد السوالم بإقليم برشيد، جنّبت المملكة كارثة كانت ستقوّض استقرارها الأمني وتؤثر على استعداداتها لحدث رياضي بارز.
المكتب المركزي للأبحاث القضائية “البسيج”، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، كشف عن تفاصيل العملية التي جرت يوم الأحد 26 يناير 2025. وصرّح مدير المكتب، الشرقاوي حبوب، أن العملية الأمنية، التي جاءت بناءً على معلومات دقيقة، أفضت إلى اعتقال أربعة عناصر متطرفة تتراوح أعمارهم بين 26 و35 سنة، من بينهم ثلاثة أشقاء. هؤلاء الأشخاص مرتبطون بتنظيم “داعش” الإرهابي، وكانوا في مراحل متقدمة من التخطيط لتنفيذ هجمات تفجيرية تستهدف مواقع حيوية في المملكة.
تنسيق أمني محكم
العملية، التي شاركت فيها قوة خاصة تابعة لـ”البسيج”، أظهرت مستوى عالياً من التنسيق بين الأجهزة الأمنية المغربية. تمّ الاعتماد على فرق متخصصة في الرماية الدقيقة، ومروحية للدرك الملكي قامت بتمشيط المنطقة، بالإضافة إلى خبراء المتفجرات وكلاب بوليسية مدربة. وأسفرت إجراءات التفتيش عن ضبط كميات كبيرة من المواد المشبوهة والأسلحة البيضاء، التي تخضع حالياً لتحليل مخبري لتحديد طبيعتها.
الشرق الأوسط شهدت عدة هجمات إرهابية خلال العقدين الماضيين، لكن المغرب تمكّن من تعزيز منظومته الأمنية بشكل ملحوظ. منذ تأسيس “البسيج” في عام 2015، باتت المملكة نموذجاً في مكافحة الإرهاب، ما مكّنها من تفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية منذ عام 2002، وفقاً لإحصائيات رسمية.
إرث أمني ثقيل
تاريخ الإرهاب في المغرب لا يزال حاضراً في الذاكرة الجماعية للمغاربة، بدءاً من تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 التي أودت بحياة 33 شخصاً، مروراً بتفجير مقهى “أركانة” بمراكش عام 2011، وصولاً إلى حادثة قتل سائحتين أجنبيتين في منطقة إمليل عام 2018. هذه الأحداث كانت الدافع وراء تعزيز الأجهزة الأمنية وتحديث استراتيجيات مكافحة التطرف.
المعطيات الرسمية تشير إلى أن المغرب يواجه تهديداً مستمراً من قبل تنظيمات إرهابية، خاصة تنظيم “داعش”، الذي يسعى لإيجاد موطئ قدم في المنطقة. لكن التنسيق بين الأجهزة الأمنية، إلى جانب التعاون الاستخباراتي الدولي، ساهم في إحباط مخططات إرهابية عديدة قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ.
رسائل متعددة
العملية الأخيرة تحمل أكثر من رسالة؛ فهي تأكيد على جاهزية المغرب للتصدي لأي تهديد أمني، لا سيما في لحظات حساسة مثل الاستعداد لاحتضان فعاليات دولية. كما تعكس العملية نجاح الأجهزة الأمنية في تتبع ومراقبة الخلايا الإرهابية وتحييدها قبل أن تتحول إلى خطر حقيقي.
إحباط هذا الهجوم المحتمل يعيد التأكيد على موقع المغرب كركيزة للاستقرار في شمال إفريقيا. ومع اقتراب استضافة المملكة لبطولة كأس أمم إفريقيا، تأتي هذه العملية كرسالة طمأنة للمواطنين والزوار على حد سواء، بأن المملكة تبقى يقظة في مواجهة أي تهديد يمس أمنها واستقرارها.