Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

إقصاء أساطير الكرة المغربية ودعوة المؤثرين.. عندما تُستبدل الرمزية بالكليكات

في سابقة أثارت الكثير من الجدل، شهدت مناسبة تقديم مجسم كأس العالم في المغرب تغييباً واضحاً لأساطير كرة القدم المغربية، من أمثال بادو الزاكي، عزيز بودربالة، نور الدين النيبت، وغيرهم من الأسماء التي ساهمت في بناء الذاكرة الكروية الوطنية.

وفي المقابل، تمّت دعوة مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لا صلة لهم باللعبة ولا بتاريخها، لتصدر المشهد في لحظة كان يُفترض أن تكون لحظة وفاء لرجال كتبوا تاريخ الكرة المغربية.

من الرمزية إلى الاستهلاك: تحولات في المعايير

هذا التحول يعكس انقلاباً عميقاً في القيم والمعايير التي أصبحت تحكم اختيارات الفاعلين في المجال الرياضي والفني، حيث لم تعد الرمزية والتاريخ والإنجازات هي المحدد الأساسي، بل أصبحت لغة الأرقام وعدد المتابعين ونسبة التفاعل على المنصات الرقمية، هي “المعيار الجديد” للشرعية والتمثيل.

لقد تم استبدال الأيقونات الرياضية التي حفرت أسماءها في وجدان المغاربة، بأسماء برزت في عالم الترفيه الخفيف والمحتوى السريع.

هذا لا يُعد فقط تقليلاً من قيمة أولئك الرياضيين، بل هو إشارة إلى تحول ثقافي أعمق: من تقديس الإنجاز إلى تمجيد الظهور.

المشهد الرياضي بين التتويج والإقصاء الرمزي

كان من الممكن أن تشكل مناسبة كأس العالم حدثاً لإعادة الاعتبار لتاريخ المنتخب المغربي، خصوصاً بعد الإنجاز التاريخي في مونديال قطر 2022، لكن ما حدث كان العكس. فإقصاء اللاعبين السابقين هو إقصاء لذاكرة جماعية، وطمس لمسار طويل من التضحيات والانتصارات. إنها سطوة الحاضر اللحظي على الماضي العميق.

امتدادات الظاهرة في المشهد الفني والثقافي

الظاهرة لم تبقَ حبيسة المجال الرياضي، بل ألقت بظلالها أيضاً على المشهدين الفني والثقافي، حيث صار الفنان أو الكاتب أو الشاعر يُقوَّم بعدد متابعيه، لا بما يضيفه من عمق أو تجديد في مجاله. وحلّت ثقافة “الترند” محل الإبداع الحقيقي، وأصبح التفاعل أهم من التأثير الفعلي.

هذه الهشاشة الرمزية تعكس خطراً على الهوية الثقافية للمجتمع، لأن المنظومة التي تستبدل القامات بأسماء عابرة، تفرّغ المشهد من معانيه، وتحوّله إلى واجهة براقة تخفي هشاشة جوهرية.

في الحاجة إلى مراجعة المفاهيم

ما وقع يجب ألا يُفهم فقط كخطأ بروتوكولي أو تنظيمي، بل هو جزء من تحوّل سوسيولوجي وثقافي عميق يستحق التوقف عنده.

نحن بحاجة إلى إعادة تعريف “القدوة” و”الرمز” في عصر الرقمية، وإلى مقاومة إغراءات السطحية التي تروّجها الخوارزميات.

ليس المطلوب إقصاء المؤثرين، لكن من غير المعقول أن يحلوا محل الشخصيات التاريخية في لحظات ذات طابع وطني وثقافي صرف. فالمجتمعات التي تفقد البوصلة الرمزية، تفقد معها القدرة على بناء سرديات جماعية قوية.

Exit mobile version