سناء البوعزاوي
من النعم التي حبانا الله بها كآباء وأمهات تواجد أطفال في حياتنا، فهم الذين يعطون معنى لحياتنا وبهم نغير أفكارنا ومعهم نتعلم أخطاءنا ونبني رجل أو امرأة المستقبل، نعم الابن هو اشتقاق من كلمة بناء، فعندما نرحل من هاته الدنيا نترك وراءنا بناء قوي الصرح، شامخ الرأس والأهم من كل هذا سليم الأساس، فإذا صلح الأساس والقاعدة، صلح البناء وإذا فسد مهما علا، وطال فلن يكون له معنى أو قيمة أو استمرارية. فكيف نشيد ونجهز ونهيئ أساسا ذا لبنة قوية ومتينة وما هي السبيل لتقويم أي ذرة اعوجاج؟
إن أساس ونقطة انطلاقة أي طفل هي ثقته في نفسه التي يربيها، بالطبع، الوالدان فيه، وهاته الثقة، ما هي إلا مجرد كلمات وتصرفات وتعاملات يزرعها الآباء في أبنائهم، فيحصدون شابا أو شابة لا يشوبهما عقد ولا خلل في الشخصية والتي بدورها تكون إكسيرًا للحياة، ومرافقتهم حتى الممات، فثقة الطفل بنفسه تعزز من قدرته على التكيف مع محيطه ومواجهته التحديات الجديدة دون أي خوف أو قلق، إذ تنبع هذه الثقة من وعي الطفل وإدراكه للقدرات التي يمتلكها، فهي صفة ترافقه طيلة حياته. لذا على كل أم وأب أن يبذلا قصار جهدهما حتى يستطيع أبناؤهما أن يقيموا قدراتهم ومهاراتهم، حتى يستخدموها في المواقف التي تواجههم في حياتهم ومن ثم يستطيعون تدبير حياتهم، وتكون لهم الأهلية في اتخاذ القرارات بشكل مناسب وناجع.
في هذا المقال سوف نعطي أهم ثلاث نقط لمساعدة الآباء قدر الإمكان على كيفية غرس صفة الثقة بالنفس في أطفالهم فهذه الخصلة تولد فيهم الشعور بالسعادة والتوافق النفسي، والاطمئنان الداخلي، فيتعلم الطفل بذلك كيف يقدر ذاته و يشعر بحالة من الأمان يكون بها بمنأى تام عن الإصابة بأي اضطراب نفسي أو اجتماعي ومن ثم يصبح فردا ينفع نفسه ومجتمعه.
الخطوة الأولى المهمة، لبناء ابن واثق من نفسه، هي استشارته في بعض القرارات أو الاختيارات ولو على سبيل الاستئناس، ولو أننا لا نحتاج في ذلك الموضوع إلى نصيحتهم، لكن إدماجهم، ومشاركتهم بعض الأمور التي نريد أن نقدم عليها كشراء سيارة مثلا، أو اختيار لون طلاء المنزل، يحدث فرقا كبيرا، فوقع هاته البادرة، مهم جدا، حيث سيشعرون بأهمية كيانهم وأننا نقدرهم لدرجة طلب استشارتهم، وهاته الخطوة لا تكون فقط مع أطفالنا الصغار بل حتى الكبار، حيث إنه لا يجب حصر بناء الثقة في النفس واقتصارها في عمر معين للأطفال، أو أن تقول إنه قد فات الأوان، كان يجب أن تبنى شخصيته منذ نعومة أظافره، هذا خطأ، فمهما كان عمرهم، فبالإمكان أن يبنوا شخصية جديدة قوية، إذا كانت هناك فعلا رغبة شديدة وطموح قوي لذلك.
الخطوة السحرية الثانية، التي تجعل ابنك يعزز ثقته بنفسه هي ثقافة الاعتذار، ففي جو ملائم وهادئ ممكن أن نعبر عن تأسفنا لأبنائنا مقابل تصرف عن غير قصد، لربما ضايقهم أو هز مشاعرهم، ففي ذلك الحين يبدأ الطفل بالتفكير في هاته البادرة من الأب أو الأم، التي غالبا سيراها غريبة، وسيحس لا محالة أنه مهم في حياة والديه وهي في حد ذاتها تربية، وتمرير لدرس مهم ألا و هو؛ الاعتراف بالذنب فضيلة!
النقطة الثالثة، وهي كذلك مهمة جدا، تجنب قول لا بدون مبرر، فلا يتصور المرء كمية الانتكاسة النفسية التي يحس بها الطفل كلما قام بأمر أو طلب شيئا يقابله الرفض التام سواء من الأم أو الأب دون إعطاء تبرير مقنع له، فهو يحس بنوع من الظلم في حقه، وما أبشعه من إحساس خصوصا عندما يأتي من أقرب الناس إليك، كما يقول الشاعر، ولظلم ذوي القربى أشد مضاضة من السيف المهند، لكن عندما تفسر وتبسط له الأم، فمن البديهي أن يتفهم ويتقبل رفضها، فيبقى القرار هو نفسه، لكن الطريقة هي التي تغيرت فسهلت تقبل الأشياء.
لذا فمن المهم جدا، التدقيق في جودة التخاطب اليومي مع أولادنا ليصبحوا بذلك أكثر ثقة بأنفسهم من خلال التحدث الواعي، واللغة الذكية، فعوض أن تقول لابنك لا، ممكن أن يتسم خطابك بالمرونة، فتقول، نعم ولكن ….، وهذه نظرية ناجعة جدا في كتاب “ليليا كوني دي هان”، الذي يهتم بالعلوم الاجتماعية، خصوصا التنمية البشرية وتطوير الذات، وهنالك أيضا العديد من المفكرين والعلماء والأدباء العالميين الذين تحدثوا عن هاته النظرية التربوية كالأمريكي “نعوم تشومسكي”، ويستحضرنا في هذا الصدد قصيدة الفرزدق في علي ابن الحسين بن علي زين العابدين، بقوله: “ما قال لا قط إلا في تشهده… لولا التشهد كانت لاءه نعم” .
فما أجمل أما تنصت لحديث طفلها بكل حواسها، لا تقاطعه ولا تنهي جملته قبل أن يكملها، وتفسح له المجال كي يعبر عن ذاته ويتكلم عن كل ما يخالجه من شعور وأفكار، وما أعقل آباء يبدون اهتمامهم لمشاكل وتساؤلات أبنائهم مهما كانت سخيفة في نظرهم، فاستصغار مواضيعهم يفقدهم الثقة بأنفسهم، فبناء لبنة الثقة يأتي من شعور الطفل بإيجابية ما يفعله وكفاءته، إضافة إلى كلمات التشجيع التي تساهم بقدر كبير في تقدير الذات وتعزيز الثقة في النفس، فمثلا إذا اكتسب طفلك علما، وكلمة، وحفظ سورة، فمن الضروري تشجيعه ومدحه أمام الآخرين، لكي يتولد لديه إكسير شغف العلم، والدعاء له مهم ليس فقط في ظهر الغيب، لكن كذلك أمامه فيستشعر بذلك بركة ومحبة الوالدين، ومن الأدعية الجميلة للابن في هذا الصدد، دعاء نبينا الكريم، “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل” إذن فاكتساب هذا الشعور ينبع من تصرفات الآباء أمام أطفالهم والطريقة التي يتعاملون بها معهم، فإما أن تزيد في ثقتهم بأنفسهم أو تنقص منها.
إكسير الثقة بالنفس للأبناء
