Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

ارتفاع أسعار السردين.. جدل حول دور الوسطاء وتفاوت الأسعار بين الموانئ

أثار انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لبائع سمك في مراكش يعرض السردين بأسعار منخفضة، تتراوح بين 5 و7 دراهم للكيلوغرام، جدلًا واسعًا بين المغاربة حول “السعر الحقيقي” لهذا السمك الشعبي.

ففي الوقت الذي يُباع فيه السردين بأسعار زهيدة في بعض الموانئ، حيث لا يتجاوز سعر البيع الأولي 3 دراهم للكيلوغرام، يصل ثمنه في بعض الأسواق إلى 30 درهمًا، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن أسباب هذا التفاوت الكبير.

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الصيد البحري وتربية الأسماك، محمد الناجي، الأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، في تصريح للصحيفة أن تعدد الوسطاء هو العامل الأساسي وراء ارتفاع أسعار السردين، مشيرًا إلى إمكانية توفيره على مدار السنة بسعر لا يتجاوز 10 دراهم للكيلوغرام، شريطة وضع آلية تنظيمية محكمة.

الوسطاء والتكاليف الخفية

وبحسب الناجي، فإن سلسلة التوزيع تلعب دورًا حاسمًا في تحديد السعر النهائي، حيث يمر السردين بعدة مراحل قبل وصوله إلى المستهلك. فعلى سبيل المثال، عندما يتم تفريغ السردين في ميناء العيون، فإنه يمر بثلاثة إلى أربعة وسطاء قبل أن يصل إلى محلات البيع بالتقسيط في الرباط أو الدار البيضاء، وهو ما يرفع الأسعار بشكل ملحوظ.

ويضيف الخبير أن القانون يحدد الحد الأدنى لسعر البيع الأولي عند 2.80 درهم، مع ترك الحد الأقصى خاضعًا للعرض والطلب. وتشير المعطيات إلى أن الموانئ التي يتوفر فيها السردين بكثرة، مثل موانئ الجنوب، تشهد أسعارًا منخفضة تتراوح بين 3 و4 دراهم للكيلوغرام، بينما ترتفع الأسعار في موانئ آسفي إلى 6 أو 8 دراهم، وفي العرائش إلى 9 دراهم، أما في الموانئ المتوسطية فقد تصل إلى 15 درهمًا للكيلوغرام.

ويؤكد الناجي أن هذا الاختلاف الكبير في الأسعار بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك يعود بالأساس إلى سلسلة الوسطاء، التي تُضيف هوامش ربح متتالية، تجعل الأسعار تتضاعف عند وصولها إلى الأسواق المحلية.

العرض والطلب.. معادلة غير متوازنة

إلى جانب دور الوسطاء، هناك عوامل أخرى تؤثر على وفرة السردين وأسعاره، منها تقلبات الإنتاج الموسمية، وارتفاع الطلب في بعض الفترات، فضلًا عن المنافسة بين الاستهلاك الطازج والصناعة التحويلية.

ويشير الناجي إلى أن المغاربة يستهلكون ما بين 400 و500 ألف طن من السردين سنويًا، في حين أن الإنتاج الوطني يتجاوز 1.1 مليون طن، يصل في بعض الأحيان إلى 1.5 مليون طن عند احتساب القطاع غير المهيكل.

ورغم وفرة الإنتاج، فإن جزءًا كبيرًا منه يُوجَّه إلى الصناعات التحويلية، حيث تستحوذ مصانع التعليب والتجميد على حصة كبيرة من السردين الطازج، إلى جانب قطاع دقيق السمك، الذي يستهلك نحو 600 ألف طن سنويًا.

هذا التوزيع غير المتكافئ للموارد يجعل السردين المتوفر في الأسواق المحلية عرضة للتقلبات السعرية، حيث تنخفض الأسعار بشكل حاد عند وفرة الإنتاج، وترتفع بسرعة عند نقص المعروض، خصوصًا مع دخول الوحدات الصناعية في المنافسة على الكميات الطازجة.

مشروع وطني لمكافحة المضاربة

ويرى الناجي أن الحل الأمثل لضبط أسعار السردين وضمان توفره بأسعار معقولة يكمن في إطلاق مشروع وطني متكامل، يعتمد على تنظيم المهنة وتقليل عدد الوسطاء.

ويقترح الناجي إقامة تجمعات مهنية على شكل مجموعات النفع الاقتصادي (GIE)، تضم الصيادين، والموزعين، وأصحاب وحدات التخزين، مما يسمح لهم بالعمل تحت إطار قانوني موحد، بهدف ضبط الأسعار وضمان هامش ربح معقول لكل الأطراف.

ويضيف أن هذه الآلية ستسمح بتحديد سعر منصف للكيلوغرام لا يتجاوز 10 دراهم، حيث سيتمكن الصيادون من بيع السردين بسعر 6 دراهم، بينما تُضاف تكاليف النقل والتوزيع في حدود 2 درهم، ليصل هامش الربح إلى 2 درهم فقط، ما يضمن سعرًا نهائيًا في متناول المستهلك.

السردين.. بين وفرة الإنتاج وارتفاع الأسعار

في ظل هذه المعطيات، يبقى السردين، الذي يُعتبر “سمك الفقراء”، خاضعًا لمنطق المضاربة والأسواق، حيث يواجه المستهلك المغربي صعوبة في الحصول عليه بسعر يتناسب مع ثمنه الأولي في الموانئ. وبينما تتجه بعض الدول إلى وضع آليات لضبط الأسعار، يبقى المغرب في حاجة إلى إصلاحات عميقة في قطاع الصيد البحري وسلاسل التوزيع، لضمان استفادة المواطن من ثروته البحرية بسعر عادل.

Exit mobile version