Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الأسرة عماد الدين والدنيا

أكاديمية المملكة المغربية محفل فكري لا يختار المواضيع من أجل ملء البياض حتى لو ظهر للبعض ذلك، من خلال التركيز على بعض العناوين ليست من نوع “البوز”، ولكن مواضيع ذات جوهر يهم الناس ويقتضي التطرق إليه. هذه السنة اختارت عقد دورتها تحت عنوان “التماسك الأسري والاجتماعي على محك التحولات العالمية”.
وكما قلنا إن الموضوع ليس لسد فراغ عملي ولكن لحاجة علمية، بالنظر لأهمية “الأسرة باعتبارها مؤسسة اجتماعية تواجه عدة تحديات لعل أبرزها قضايا المناصفة والإنصاف، وتوزيع الموارد المتاحة وتسارع وتيرة الأزمات البيئية وما يصاحبها من تنقل واسع للسكان، ناهيك عن التجمعات الحضرية الجديدة والتأثير المتزايد للتكنولوجيات الحديثة، مثل التقنيات الرقمية والتقنيات المستخدمة في مجال الأحياء الحديثة، وفي كل أشكال الحياة، إلا أن الملاحظ أن التماسك الذي تميزت به الأسرة أحياناً، بدأ يتآكل في بعض الحالات تحت ضغط مجموعة من العوامل الخارجية”.
هذه هي الأرضية وهي المعضلة المثارة، التي تحتاج إلى أجوبة من الجميع. وبهذا النحو تطرح العشرات من الأسئلة حول الأسرة وحول المؤسسات التي تضطلع بدور التربية وعلى رأسها المدرسة، التي تعتبر محضنا للنهوض بالتربية بمدلولها الواسع.
ونحن اليوم في المغرب أشد الشعوب في الحاجة إلى إعادة تعريف الأسرة، وتحديد دورها، وما اللغط الذي أثير حول مدونة الأسرة والتعديلات الممكنة التي يجري النقاش بصددها، إلا نتيجة لغياب القراءة المفهومية للقضايا، وبالتالي يتناحر أبناء الوطن على شيء لم يحددوه سابقا، وهكذا تكلم الفقهاء في كل العصور عن “تحرير محل النزاع”، فبدونه لا يمكن إنتاج المعرفة.
يتناحر الحداثيون وخصومهم من “التقليديين” حول الماضي وأشباحه بإعادة تدوير مفاهيم متآكلة، سواء تعلق الأمر بمفاهيم فقهية أو بمفاهيم الحداثة. فإذا كانت الفئة الثانية متمسكة بما تسميه الأصل وهي مجرد مقلدة في ذلك، فإن دعاة الحداثة ليسوا سوى مقلدين لماضي غيرهم.
لكن يبقى العنوان الأبرز هنا سواء كنت تقليديا أو حداثيا، هو أن الأسرة هي مركز المجتمع، ويمكن المجازفة بالقول إنها “عماد الدين والدنيا”، صحيح أنه جاء في الأثر أن “الصلاة عماد الدين”، لكن ليس بعنوان الحصر لكن بعنوان التشجيع، وتبقى الأسرة هي النواة التي يتربى فيها الإنسان، الذي اختصه الله تعالى بالتكاليف الشرعية، فلماذا لا تكون الأسرة عماد الدين من هذه الجنبة كما أنها عماد الدنيا كما أصبح الكل متفقا على ذلك.
نجترح هذا المفهوم “الأسرة عماد الدين والدنيا”، وحمايتها تبقى أسمى المقاصد، حيث تتجلى فيها “حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض”، كما ذهب إلى ذلك علماء المقاصد، واعتبر الشيخ علال الفاسي رحمه الله، الأسرة أو البيت، الوطن الصغير، هو النواة الأساسية للمجتمع التي ينبغي أن تحظى باهتمام الدولة، وكان رحمه الله مقاصديا، قبل ظهور باكتريا المقاصد، حيث شدد على الدعوة إلى إصلاح الأسرة والمجتمع ومحاربة الجهل والتخلف عن طريق تعليم عصري تحت عنوان القيم والأخلاق الإسلامية، مصرا على الدعوة إلى الاجتهاد والعقل الذي لن يؤدي سوى إلى الحقيقة كما أرادها الله.

Exit mobile version