Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الاتجار في الخطاب السياسي

ليس من باب المبالغة أو حتى المغالطة اعتبار “شراء الذمم” في الانتخابات كجزء من “الاتجار في البشر”، وكنا خصصنا افتتاحية لهذا الموضوع، طالبنا من خلالها بفتح نقاش حول الموضوع، والبحث عن مدى إمكانية إخضاعه لمقتضيات القانون المتعلق بمكافحة الاتجار في البشر، وعلى نفس المنوال كتبنا عن خطورة “التزكيات” على المسار الديمقراطي وكثير منها لا تخرج عن منطق “البيع والشراء” و”الاتجار في البشر”.
قضية الاتجار في أصوات الناخبين، لها تجليات مختلفة، فهناك الأحزاب قليلة الذكاء، حتى لا نقول الغبية، تنتظر فرصة اقتراب الانتخابات لتوزع بعض الأموال على الناخبين المفترضين، وهناك أحزاب متوسطة الذكاء تقوم بشراء ناخبين “ديناصورات” وحينها لا تبحث عن الناخبين الصغار، الذين يتكفل بهم الناخب والمنتخب الكبير، وهناك الأحزاب الأكثر ذكاء وهي التي لا تمنح أموالا ولكن تُكون “الناخب الزبون”.
على ضوء هذه المقدمات نقرأ ما قاله سعد الدين العثماني، في غمرة حديثه عن الحزب الإسلامي وأمام أعضاء من حزبه بقرية صغيرة تسمى سيدي عزوز نواحي مدينة سيدي قاسم حيث قال “نحن لا نعطي المال ولا الزرود”، ويقصد هنا تنظيم الزرود.
هذه كلمة حق ينبغي الشهادة له بها، لكن…
كونك لا تعطي المال ولا تقوم بتنظيم الزرود لا يعني أنك “لا ترشي الناخب”. تنظيمات الإخوان المسلمين، التي يمثلها في المغرب العدالة والتنمية، تدربت على العمل اليومي وتقديم الخدمات على طول السنة، وهو ما يفسر ارتباط الحزب بـ”الناخب الزبون” عن طريق عشرات الجمعيات، التي تعمل لفائدته وفق خطة معروفة.
لهذا العثماني ليس في حاجة إلى إعطاء المال وتنظيم الزرود لأنه يعطي المال وينظم الزرود بطريقة أخرى، وهي طريقة ذكية بخلاف باقي الأحزاب السياسية، وتتمثل في توزيع المنافع على طول السنة، وازداد هذا الموضوع وارتفع منسوبه مع حصولهم على تسيير عشرات المجالس الترابية، التي من خلالها يتم منح امتيازات لكائنات انتخابية صغيرة، التي تتكلف بضبط الناخبين الصغار، وهذه الامتيازات تتجسد في أكشاك وبقع أرضية وغيرها.
عشرات الجمعيات مرتبطة بمؤسسات إقليمية ودولية للعمل الخيري والاجتماعي دورها هو رفد الحزب بالناخبين، وضمان “الزبونية” يوم الاقتراع، حتى أن كثيرا من الناس لا يحتاجون للحملة الانتخابية، بل يقفون صفا متراصا للتصويت على من منحهم قفة رمضان وكبش العيد ومحفظة المدرسة ووقف معهم يوم الجنازة وغيرها.
كما استغل الحزب الوزارات التي تولاها من أجل دفع امتيازات ومنافع لبعض الأشخاص، الذين يتولون بدورهم القيام باستقطاب الناخبين، بل إن وزيرة وفي آخر مراحل الحكومة تقوم بتقديم وعود كاذبة لموظفي وزارتها، وهي وعود يستحيل تنفيذها بأي شكل من الأشكال.
من كل ما سبق يتبين أن العثماني كان على حق فهو ليس في حاجة لإعطاء المال وتنظيم الزرود لأنه ينظمها بطرق مختلفة وآليات ملتبسة عكس الأحزاب الأخرى.

Exit mobile version