Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

التاريخ “النضالي” بين التحقيق والمحاسبة

محاكمة شخصيات عمومية أو المطالبة بمحاسبة زعيم سياسي عن سلوكه أمر طبيعي في دولة تبني ديمقراطيتها على مهل، ووفق خصوصيات مجتمع يعرف تحولات لكن تخترقه ثقافات ويحمل معه إرثا، ولا ينبغي إلا أن نشجع جميعا محاسبة أي شخص مهما كان موقعه، في حال ارتكب ما يستوجب المحاسبة وترتيب العقوبات اللازمة على ذلك، بل هناك ما يستدعي المحاسبة الأخلاقية.
لكن في بلادنا السعيدة أراد كثيرون أن يجعلوا من التاريخ “النضالي” بطاقة بيضاء لارتكاب ما يريدون دون محاسبة. لنسلم بأن تاريخهم “النضالي” في خدمة الوطن صحيح وليست فيه ادعاءات، وهذا فرض محال لأن في التاريخ من الخيال أكثر مما فيه من الواقع، لكن مع ذلك سنفترض أنه تاريخ حقيقي. ماذا يترتب عن “تاريخ “نضالي”؟ هل يترتب عنه براءة دائمة ومطلقة؟
مناسبة هذا الكلام قضيتان، منفصلتان في السياق تلتقيان في التبرير. الأولى تتعلق بزعيم سياسي منح دعما مخصصا من الدولة للحزب الذي يترأسه، لشركة في ملك ابنه. بغض النظر عن ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات أن الدراسات مجرد مقالات، فأخلاقيا لا يمكن أن تجعل من الحزب أداة لخدمة أسرتك، وبدل أن تفتخر بتاريخك النضالي، الذي لا يوازيه أي تاريخ، كان لزاما أن تمنح الدراسات لمكاتب متخصصة حتى لو كانت بعيدة من الحزب، والقضية الثانية تتعلق بمسؤول عن الجالية شرعت المحكمة في التحقيق معه حول افتراض تورطه في تمويل موقع إلكتروني مُعادٍ لمؤسسات البلاد.
استعمال التاريخ، الذي لا يمكن التسليم بوقائعه في غياب ما يكون حجة ودليلا عليه، هو استعمال للرموز كوسيلة لمواجهة الآخر. هذا الآخر قد يكون مناضلا حزبيا له غيرة على حزبه، وقد يكون مناضلا سابقا يشده الحنين إلى زمن مضى من النضال السياسي وقد يكون مواطنا له الحق في مساءلة الحزب عن أوجه صرف المال العام، وقد يكون هذا الآخر “المحققون”.
لما تشهر أي عنصر رمزي في وجه الآخر معناه تريد منعه من الوصول إلى الحقيقة ومعرفتها، وبما أن ورقة التاريخ تم إشهارها وهي تبين أن أصحابها “نظفاء”، فلماذا لا يتركون التحقيق والمحاسبة يذهبان إلى نهايتهما كما يقتضي المنطق، وبالتالي ستظهر نظافتهم من جديد ومؤكدة من مؤسسات مكلفة بالمحاسبة والتحقيق.
أن يتوفر المرء على تاريخ “نضالي” لا يعني أنه غير معرض لارتكاب الجنايات والجرائم والاختلالات وهلم جرا. والمتصوفة دائما يحذرون “المريدين” من السقوط في النهايات، والمغاربة يقولون “الله يجعل آخرنا أحسن من أولنا”، ومن الأدعية المأثورة “اللهم إنا نعوذ بك من سوء الخاتمة”. وفي التاريخ سياسيون ومسؤولون كبار تميزوا بالجدية والشفافية لكن سقطوا في أخطاء قاتلة منهم من اعترف بها ومنهم من لم يعترف، لكن هذا واقع الحال لا يمكن القفز عليه، قد تكون مناضلا ولنصف قرن لكن ترتكب سلوكا غير أخلاقي عندما تجعل من الحزب وسيلة للانتفاع الشخصي والعائلي أو تجعل من مؤسسة عمومية وسيلة لتصفية حسابات.

Exit mobile version