Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

التوجيهات الملكية السامية و واجب حفظ الذاكرة : الأحزاب السياسية على محك التغيير الحقيقي في المغرب

– بوجبير فؤاد، باحث في علوم الادارة (التدبير العمومي)

إن واجب حفظ الذاكرة هو ضرورة أخلاقية وسياسية، لأنه يُمكِّننا من فهم جذور الأوضاع الراهنة، وتجنب أخطاء الماضي، وبناء مستقبل أكثر عدلاً. كما يساهم أيضًا في تعزيز الديمقراطية وبناء مجتمع أكثر اندماجًا ، من خلال التركيز على الشفافية والمسؤولية، وأيضاً عبر التعليق على أوجه القصور السابقة وتوضيحها على كافة مستويات الحياة التي تهم البلاد. وهذا سيمكن الحكومات المتعاقبة من استعادة ثقة العموم وتيسير أفضل مشاركة مواطنة.

إن واجب حفظ الذاكرة هي وسيلة قوية بامتياز لإطلاق العنان للتفكير في صياغة وتنفيذ السياسات العمومية الضرورية لإحداث تغيير حقيقي في الواقع الاجتماعي.

في الواقع، يعتبر “واجب حفظ الذاكرة” و”التغيير الحقيقي” عنصرين أساسيين في صياغة السياسات العمومية، وهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. الأول يسمح بفهم أفضل لمعنى الأحداث والمفاهيم ، وتجنب المفارقات التاريخية والتفسيرات الخاطئة، والأهم من ذلك فهم تأثير التاريخ على حاضرنا. بينما الثاني يتضمن تحولاً عميقاً في العقليات والسلوكيات، ويسمح أيضاً بتغيير الممارسات والمواقف الازدرائية لبناء مستقبل أفضل. يضاف إلى كل هذا، تأكيد الخبراء والمتخصصين أنه من خلال فهم السياق التاريخي، يمكن لأصحاب القرار تحديد التحديات والأسباب العميقة للمشاكل المجتمعية، والصعوبات الاجتماعية وكذلك الآفات الاجتماعية بشكل عام، وأفضل.

وعليه، يستلزم الأمر استيعاب دروس الماضي بشكل عميق ، ودمجها بفعالية ضمن عمليات الإصلاح. هذه الإصلاحات بدورها ستساهم في ترسيخ ثقافة تقوم على احترام الآخر، وتشجع على الحوار وتبادل الآراء، وترفع من مستوى الأداء في تنفيذ المبادرات العمومية، مع التزام تام بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة”

1/ واجب حفظ الذاكرة والسياسات العمومية :

من الأهمية بمكان التأكيد على أن واجب حفظ الذاكرة والسياسات العمومية يتشاركان خيطاً ناظماً واضحاً، يتجلى بشكل خاص في الاستراتيجيات المبنية على الذاكرة التاريخية، السياسية، الاقتصادية، التعليمية والاجتماعية والثقافية للبلاد، وذلك لإبراز الوعي المستنير للمواطن. في هذا السياق، لا يكف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عن التأكيد على أهمية واجب الذاكرة في صياغة وتطبيق الورش الكبير المتعلق بإصلاح الدولة، بناءً على مقاربة تشاركية ومندمجة بهدف ضمان تحسين فعالية وجودة الخدمات العمومية المقدمة، ومراعاة أفضل للمصالح العامة للمواطنين والوطن .

إن صاحب الجلالة الملك، أيده الله، يدعو دائماً جميع الفاعلين، بمن فيهم الحكومة، البرلمان، الأحزاب السياسية، النسيج الجمعوي وجميع القوى الحية في البلاد، إلى الانخراط بجدية في ورش إصلاح الدولة بإخلاص وتفانٍ، بهدف بناء مستقبل أفضل لوطننا. هذا الإصلاح ليس مجرد مسألة تحديث لإدارتنا العمومية، بل هو أيضاً مسألة تتعلق برفاهية المواطنين. إن إدارة فعالة، شفافة وقريبة من المواطن ضرورية لضمان جودة حياة أفضل، وشعور بالانتماء ومشاركة فعالة في بناء مجتمع أكثر عدلاً وازدهاراً.

خلال العقدين الأخيرين، وبفضل الرؤية المستنيرة لجلالة الملك، وتوجيهاته الاستراتيجية، المسترشدة بفلسفة وفهم عميقين للتحديات والآفاق المطروحة، على المستويين الوطني والدولي، حققت المملكة تقدماً كبيراً في مجال المصالحة الوطنية وتمكنت من إعادة بناء النسيج الاجتماعي من خلال تعزيز تلاحمه القوي.

كذلك، وفيما يتعلق بالتنمية البشرية، تمكن المغرب، بفضل الرعاية الملكية، من تعزيز جانب أساسي من تغييره الأصيل، وذلك بالانخراط في دينامية للتنمية المستدامة والشاملة.

ومع ذلك، فإن إشكالية واجب حفظ الذاكرة، المرتبطة بواجب أخلاقي و معنوي للتذكر من أجل التصحيح، تثير أسئلة معقدة حول فائدة دورها في بناء الهوية ومخاطر استغلالها. وعلاوة على ذلك، يظهر التاريخ في هذا الصدد كيف يمكن تشويه الذاكرة أو استخدامها لأغراض سياسية غير أخلاقية تمس بالمصلحة العامة.

2/ واجب حفظ الذاكرة والبحث عن الحقيقة : توازن دقيق

هذا الواجب ليس جامداً في موقف يفرض تاريخاً رسمياً، بل هو حي وموحد حول مبدأ أن فهم الأمس يمكننا من إعداد الغد.

إن إرث تاريخ المغرب هو ما يجب علينا الاحتفاء به وتخليده بالتأكيد، ولكن الأهم هو أن نُورثه لأجيال الغد. إنها في الحقيقة ضرورة ملحة، لأنه نتاج كفاح جميع المغاربة، خلف ملكهم، رمز وحدة الأمة، رجالاً ونساءً، كل في مجاله، بغض النظر عن أيديولوجياتهم ومعتقداتهم، وأياً كان مصيرهم. وهكذا بني تاريخ مغربنا، وهو غني ويمتد لأكثر من اثني عشر قرناً. ويشهد هذا التاريخ الطويل على الاستمرارية السلالية والترابية للمملكة، بالإضافة إلى تأثيرها خارج حدودها.

علاوة على ذلك، من العدل والضروري التأكيد على أن واجب حفظ ذاكرة المغاربة حاضر بقوة في الخطب الملكية السامية، لا سيما خلال الاحتفالات الوطنية أو الأحداث الهامة، لتكريم تضحيات الأمة، الملكية والشعبية، وكذلك لتكون بمثابة عملية تقييم، وحصيلة وتوجيهات في مجال الاختيارات الوطنية الكبرى. هذه التوجيهات الملكية، التي يرتبط مضمونها بقوة برفاهية المواطنين، تركز على التنمية البشرية و الديمقراطية المواطنة والحكامة الرشيدة، وتُلهم السياسات الحكومية. كما تشكل نقطة مرجعية للاستراتيجيات القطاعية للبلاد.

إن هذا المسعى هو حجر زاوية الفلسفة التي تتميز بتساؤلها الجوهري حول أهمية التوجيهات والقرارات الملكية المستنيرة والمتبصرة، المتخذة بحكمة، بهدف تحديث مملكته وجعلها قوة إقليمية. والجواب على هذا التساؤل نجده بوضوح في إيماننا القوي بأن ملكنا الهمام، لا يكف عن دعوة السياسيين والمسؤولين الكبار إلى تكييف سلوكياتهم وسياساتهم، متذكرين أخطاء الماضي، وساعين جاهدين لتجنبها في المستقبل. إنه واجب إذاً يساهم في تعزيز الشعور بالانتماء إلى أمة عظيمة، هي المغرب، ومن خلال تحفيز تفكيرنا المستمر في تاريخنا، يمكننا التأكيد على أن بلدنا هو أحد الدول المسلمة القليلة التي حافظت على استقلالها لأكثر من ألف عام.

3/ الأحزاب السياسية في المغرب و السلطة والإدارة العمومية :

تعتبر الأحزاب السياسية والسلطة والإدارة العمومية أهم الفاعلين الرئيسيين في جميع الأنظمة الديمقراطية. تُحَدد تفاعلاتهم المعقدة جودة وفعالية السياسات العمومية، فهم يؤثرون في بعضهم البعض. فالأحزاب السياسية هي جهات فاعلة تسعى إلى ممارسة السلطة من خلال تمثيل مصالح مجموعات معينة. أما الإدارة، فهي مكلفة بتنفيذ الخيارات السياسية التي تقررها السلطة السياسية، وذلك بتطبيق القوانين والقرارات المتخذة. السلطة هي سلطة شرعية، وعادة ما تملكها الحكومة والبرلمان؛ وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات وتطبيقها، على أساس توافق داخل أغلبية حكومية معينة.

مع ذلك، يمكن استخدام السلطة، بأوجهها المتعددة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، إلخ)، لتعزيز أو في بعض الأحيان عرقلة واجب حفظ الذاكرة، وذلك بتلاعب الذاكرة الجماعية أو برفض الاعتراف بأخطاء الماضي أحيانًا. وهذا ما ميز عمل بعض السياسيين في المغرب خلال السنوات الأخيرة.

بيد أن واجب حفظ الذاكرة يرمز إلى الالتزام الأخلاقي بتذكر الأحداث التاريخية، ونقل دروس الماضي إلى الأجيال القادمة، وقبل كل شيء، فهم الدوافع والرهانات السياسية للحاضر والمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، لا تقتصر المشكلة على محاولة الحفاظ على الآثار أو تصنيف الأرشيف الضروري لحياتنا الاجتماعية، أو تذكر أحداث حية، بل تكمن بالأساس في القدرة على وضع كل شيء على نفس المستوى و نفس النسق. ففي هذا السياق، هناك حكومات تستثمر في الاحتفالات والتراث في الوقت الذي تفشل فيه السياسات العمومية بسبب عدم التطبيق الصادق للتوجيهات الملكية.

تُعد الذاكرة الجماعية عاملاً أساسيًا في بناء الهوية الوطنية، وفي شرعنة السلطة، وفي صياغة السياسات العمومية. لذلك، يجب أن تتكيف هذه السياسات مع احتياجات وتوقعات المواطنين، مع الأخذ في الاعتبار والاعتماد على التوجيهات والتعليمات السامية التي تتضمنها الخطب الملكية. فهي بمثابة دليل وتوجيه للأمة. بحيث تُعتبر خطابات الملك مصدرًا للتوجيه السياسي، والتوجه الاستراتيجي، والمبادئ الأخلاقية، موجهةً للمواطنين والمؤسسات نحو اتخاذ القرارات المثلى والعمل في الاتجاه الصحيح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version