محمد فارس
الأعيادُ الوطنية هي مناسباتٌ ينبثق إثرها التاريخ ليطفو على مسرح الشّعور، والتاريخ يُسْتعمل للذّكرى واستشراف المستقبل، هذه الثورة التي طردتِ الاستعمار الغاشم من ربوع الوطن، وأعادت لنا الحرية والاستقلال، وضمنتْ لنا السّيادةَ والكرامة وحسْن المآل، لكنْ هل ثورة الملك والشعب هي مجرَّد ذكرى واحتفال أم هي مناسبة متجدِّدة تبعث فينا الشّرفَ والوطنيةَ الحقّة لتكون بحقّ ثورةً تتجدّد كلّ لحظة وحين، لتكونَ ثورةً سياسيةً وثورةً اقتصاديةً، وثورةً فكرية، وثورة اجتماعية، وبالجملة ثورة شاملة وليست ثورةً احتفالية ليس إلاّ؛ لكن دعْنا نحدّد معنى الثّورة لغةً واصطلاحًا قبل الخوض في غمار مقال ذي شجون، فما هي الثّورة؟
[الثّورة] تغييرٌ جوهري في أوضاع المجتمع، والثّورةُ يقوم بها الشّعبُ التّواق إلى الحرية والكرامة؛ الثّورة هي تغيير النّظام السّياسي الذي تمثّله الحكومةُ العاجزةُ؛ الثّورة هي تغيير النّظام الاجتماعي أو الاقتصادي السائد في البلاد، ليحلَّ مكانهُما العدلُ، والمساواةُ، ودولة الحقّ والقانون.. والثّورة مقابِلة للِتّطور: فهي سريعةٌ وفوريةٌ، وهو بطيء؛ الثورة هي تحوُّلٌ مفاجئ ولكنّه مدروس، وأهدافُه محدَّدة سلفًا يعيها الشعبُ الحرُّ، الثّائر، وكلّ ثورة تؤدّي إلى تغيّر جذري في المجتمع دون عنف أو قهْر، فهي بمعنًى ما ثورة، ومن أهمّ الثّورات وأنجحِها هي الثّوراتُ السِّلمية التي ذكَرها التاريخ وأثنى عليها المؤرّخون.. ونحن في [المغرب]، هل نحن بحاجة إلى ثورة سلمية تمسَح السَّبورةَ لإعادة التركيب والتّجديد أم نحن بحاجة إلى ثورة نحتفلُ بها كلّ سنة دون استلهام روح ومفهوم الثّورة؟ هل نحن بحاجة ماسّة إلى فتْح جبهات ثورة سِلمية أم نحن بحاجة إلى سماع أكاذيب وشعارات سياسيين فاشلين يمارسون علينا سياسة القطيع سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا ويعتبروننا مجرّد سوق وهم مجرّد باعة يستغلّون الأزمات ويحقّقون أرباحًا خيالية ويبْلعون ألسنتهم بخصوص قضايا تهمُّ الشّعبَ وتهمّ كرامة المواطن..
يتزامن عيدُ [ثورة الملك والشعب] مع حصارٍ فرضتْه علينا حكومة [روتشيلد] التي يترأّسها [ماكرون] والمتمثّل في حرمان سياسيين سابقين، ودبلوماسيين، وأطبّاء، وطلبة من [الفيزا] رغْم أنّ القنصليات الفرنسية أخذتْ أموالهم ورفضَت طلباتهم، وهو أمرٌ غريب لم تتّخذْه [فرنسا] الاستعمارية تجاهَ أيِّ شعبٍ آخر، وهنا نطرح سؤالاً: ما هو السّببُ الكامن وراء هذا القرار العنصري الذي تتّخذه [فرنسا] تجاه المغاربة؟ السّببُ هو أنّ [فرنسا] تعْرف أنّ حكومة المغرب، حكومةٌ ضعيفة وفاشلةٌ.. تَعْرِف أنّ حكومة المغرب الحالية لم تأْتِ بها انتخاباتٌ شفّافةٌ ونزيهة وإنّما كان الأصلُ فيها [قفّة رمضان].. [فرنسا] تعرف أنّ رئيسَ الحكومة لا علاقةَ له بالسّياسة والتّسيير والتّدبير.. [فرنسا] تعي تمامَ الوعي أنّ حكومة التّجار لم تنبثق من الشّعب ولا تُمثل المجتمع.. [فرنسا] تُدْرِك تمام الإدراك أنّ برلمان الأمّة، لا علاقة له بالأمّة.. [فرنسا] تعرف جيّدًا أنّ كل الوزراء هم مجرّدُ موظّفين مُوالين للتّجار، فهم مجرّد (عرائس من قصب) يمْلؤُون الفراغ، ويمثّلون مسرحيات هزلية وكأنّهم وزراء وما هم بوزراء.. لهذه الأسباب مجتمعة اتّخذتْ [فرنسا] هذا القرار، لعلْمِها بأن الشّعب أعْزل وليس هناك مَن يمثِّله ويَذُودُ عن حقوقه، ويكافح من أجل شرفه وكرامته..
في أجواء عيد [ثورة الملك والشّعب] تَفعل بنا [فرنسا] ما تفْعَله، فهل سمعت رئيسَ الحكومة يصْدر بيانًا شديدَ اللّهجة أو يهدّد [فرنسا] باتّخاذ قرارٍ مماثل كما يفْعل عادةً مع شعْب مقهور، مغلوب على أمره كتهديد مثلاً بإعادة تربية المغاربة؟ أبدًا، لم ولن يحدُث! هل سمعت وزيرَ الخارجية أصدر بيانًا شديدَ اللّهجة يحذِّر فيه [فرنسا] من تداعيات هذا القرار الجائر؟ أبدًا، لم ولن يفعل! هل رأيتَ رئيس مجلس النّواب يعْقد جلسةً طارئةً أو يَصف القرارَ الفرنسي بأنّه قرارٌ ينمّ عن مرض كما وصف المغاربةَ بالمرضى وتمنّى لهم الشّفاء العاجل؟ أبدًا، لم ولن يحدُث! [فرنسا] تَعرف هذه الحقيقة، وعلى أساسِها تتصرّف وهي مطمئنّة على مصالحها في [المغرب]، لأنّ لها عندنا عملاء، ولوبيات، وفرانكوفونيين يخْدمون مصالحها، ويدافعون عن لغتِها، ويعْملون على بقاء قوانينها، وينشرون في البلاد مفاسدَها ويبرِّرون رذائلها، وهي كلّها أمورٌ لا تخدُم مصالح المواطنين، ولا تشرِّف البلاد ولا تَحفظ كرامةَ العباد.. هؤلاء يجب القيامُ ضدّهم بثورة سلمية لتكون [الثّورةُ] فلسفةً وليست مناسبةً للذّكرى والتّاريخ..
الثورة التي نحن في حاجة إليها
