Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الحكومة الجابية

إدريس عدار
الحكومة ليست تسلطا على الناس، تسرق نارهم كي تحرقهم بها. الحكومة هي الشيء غير الثابت، وهي تجري في المسافة بين الدولة والشعب. لكن أصحابها طُلاّب مصالح لا يهمهم الباقي. إن نجونا من الأزمة يستغلونها في الانتخابات. وإن غرقنا، لا قدر الله، يعودون للاهتمام بشؤونهم الضيقة بعد أن يضيقوا علينا العيش. تحاول خلق الفراغ وتوسيعه حتى تستطيع مد رجليها دون محاسبة.
اليوم نحن أمام حكومة عجيبة. حكومة تتوفر على أغلبية فوق مريحة. وبما أن الأغلبية في الحكومة هي نفسها الأغلبية في البرلمان، وبما أن المعارضة ضعيفة ومنقسمة، بل منها من طُرد إلى المعارضة بعد رفضه في الحكومة، فإن الحديث عن فصل السلط مجرد مسامحة لغوية، ولكن عمليا هناك سلطة واحدة تنفيذية وتشريعية، ولا يعطي قيمة لفصل السلط سوى وجود معارضة قوية قادرة على مواجهة الحكومة والتصدي لمشاريعها غير الاجتماعية.
في كل دول العالم بما فيه الليبرالية الرأسمالية تحتفظ الحكومة بهامش للتدخل إلا في بلادنا، كلما اشتكى المواطن من غلاء الأسعار ووجه باشتعالها في السوق الدولية. واليوم يقولون لنا: إحمدوا الله أن أسعار البوتان لم ترتفع. وسمعت وزيرة الطاقة تتحدث بطريقة لا تفيد أنها وزيرة في حكومة منبثقة من البرلمان. هل نسيت الوزيرة أن دعم الحكومة لغاز البوتان يتم من الخزينة العامة. يعني فلوسنا وليست أموالا جاءت بها الحكومة من مصادر خارج الضرائب.
يؤدي المواطن الضرائب. هذه الآلية تصبح أحيانا أداة للهيمنة، وربما دائما. مقابلها لاشيء. كان مفروضا أن تعود الضريبة إلى المواطن على شكل خدمات. ومن بين الخدمات التكلفة الاجتماعية للأزمات. أي دور للحكومة إن لم تتكفل بذلك؟
الحكومة اليوم لا يمكن وصفها إلا بأنها حكومة جابية. حكومة تجمع أموال الضرائب كي تصرفها في الرواتب والتعويضات السمينة وقليلا من الاستثمار. لكن الضرائب لا تنعكس على المواطن. الضريبة ينبغي أن تنعكس في المدرسة والمستشفى والطريق وغيرها. دون أن ننسى التكلفة الاجتماعية لمواجهة آثار أي أزمة كيفما كانت. لا يمكن أن يقتسم المواطنون تداعيات الأزمة بينما من يدير شأنهم يقتسم عائدات السلطة.
حكومة مكلفة بجمع الضرائب، وتتنكر للمواطن مصدر الضرائب. وأي حكومة من هذا النوع مآلها الفشل. وفشلها سيترك فراغا كبيرا تتم الإجابة عنه في الشارع بعدما لم يعد للشعب ظهر يحميه نتيجة تغول الحكومة بأغلبيتها وغياب المعارضة التي تلملم فقط مقومات وجودها حتى أضحى حضورها كغيابها.
غلاء الأسعار ليس قدرا ولكن سياسة تحتقر وجود الشعب. يمكن مواجهته بآليات كثيرة. ليس لدى الحكومة الوقت لتبحث فيه عن الحلول.

Exit mobile version