اتخذ رئيس الحكومة عزيز أخنوش من البرلمان منبرا لتوجيه رسائله، لكن الطريقة التي اختارها توشي بأن الرجل فعلا يريد إعادة تربية الجميع، وأساسا البرلمانيين، الذين يعتبر أفواههم واسعة، وهكذا جاء يشرح لهم منجزاته الفائقة بطريقة “الخشيبات” في أي مدرسة ابتدائية أو روض للأطفال، حيث جاء بالألواح ليتحدث عما فعلته حكومته، والغريب أنه لا يستحيي حينما يسطو على المشاريع الملكية وعلى المشاريع السارية لينسبها لحكومته.
لكن في الوقت الذي كان أخنوش “يتبورد” على البرلمانيين، كان أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يقدم استشارة حول واقع الشباب، وقدم أرقاما، لو كان رئيس الحكومة يحترم نفسه لدس رأسه في التراب أو قدم استقالته، لأنها أرقام خطيرة للغاية، تؤكد أن الواقع في واد والحكومة في واد آخر، وأن المستقبل في كف عفريت رغم المساحيق التي تستعملها الحكومة ومن يدور في فلكها من “طبالة وغياطة”.
هل جلس رئيس الحكومة مع مستشاريه وطرح عليهم هذا السؤال: كيف يمكن لبلد أن ينهض وأن يواكب العصر ولدينا 1.5 مليون شاب، ما بين 15 و24 سنة، يوجدون خارج منظومة الشغل والمدرسة والتكوين؟
هذا الرقم مخيف للغاية، هذا دون الحديث عن قيمة التعليم بالنسبة لباقي المتمدرسين، وقيمة الشغل بالنسبة لباقي من يشتغلون ومن تجاوزوا 24 سنة ولا يشتغلون، ومن تلقوا تعليما ضعيفا وتكوينا لم يعد مرتبطا بسوق الشغل. كل هذا لا يجد آذانا صاغية عند رئيس الحكومة، بينما جاء بألواحه و”خشيباته” يشرح للبرلمانيين، القفزة التي أحدثتها حكومته، رغم أن أغلب الأرقام التي قدمها هي أرقام ثابتة من المشاريع التي أطلقها جلالة الملك، كبرنامج دعم الأطفال المتمدرسين في العالم القروي وبعض الأطفال المتمدرسين بالحواضر، وبرنامج التكافل العائلي، وبرنامج التغطية الصحية الشاملة، وبرنامج دعم الأسر المعوزة، وغيرها، التي لا دخل للحكومة فيها، ولا ترتبط بذهابها.
هذا كلام رئيس الحكومة أمامنا، وهذا كلام مؤسسة دستورية أمامنا، والحكومة معروفة أنها انتخابية، لكن لا يحق لها خديعتنا، والمؤسسة الدستورية ليس لها دوافع سياسية وانتخابية ولا يهمها سوى تقديم استشارة غير ملزمة أصلا، لكن كما يقال “وريه وريه وإلى عما سير وخليه”، فالمؤسسات ليست لها سلطة على رئيس الحكومة، لكن تقاريرها بمثابة ناقوس الخطر، الذي تدقه قبل فوات الأوان.
من الأفضل لرئيس الحكومة، أن يستمع للمؤسسات الدستورية، التي تقدم أرقاما، لا غرض منها سوى المساعدة على رسم خارطة الطريق، فهاته المؤسسات كبنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسات محاربة الرشوة ليست منافسا سياسيا فلا ينبغي أن تتضايق منها الحكومة.
في سبيل الوطن لا مجال للمنافسات التي لا تنفع عندما يشتد الوضع، وبالتالي ليس من مصلحة أحد أن نسير في هذه الطريق، التي ينبغي أن نتوقف فيها وإلا وصلنا إلى الحافة، لا قدر الله.
الحكومة في واد والواقع في واد
