بين انضباط المؤسسة العسكرية وروح المواطنة المتجددة، تتحرك الدولة من جديد لاستدعاء شباب المغرب نحو تجربة فريدة في مسار حياتهم: الخدمة العسكرية.
فقد شهد مقر وزارة الداخلية بالرباط، صباح اليوم الخميس، اجتماعًا مركزيًا جمع أطرافًا وازنة من الجهاز الإداري والقضائي، في خطوة أولى نحو إدماج فوج جديد من المجندين المنتظرين خلال شتنبر 2025.
اللجنة المركزية للإحصاء، التي تضم في تركيبتها مسؤولين من مستويات عليا، اجتمعت برئاسة قاضٍ من محكمة النقض، لتحديد المعايير الدقيقة التي سيتم على أساسها استخراج أسماء الشباب المدعوين لملء استمارات الإحصاء الخاصة بهذه الخدمة الوطنية.
العملية، وإن كانت تقنية في ظاهرها، إلا أنها تعكس إرادة دولة تحرص على أن تكون الخدمة العسكرية محطة عادلة وشفافة في انتقاء أطرها المستقبلية.
ووفقًا لما أعلنه وزير الداخلية، فإن عملية الإحصاء ستنطلق رسميًا يوم 25 أبريل الجاري وتستمر إلى غاية 23 يونيو 2025، عبر بوابة إلكترونية مخصصة لذلك: www.tajnid.ma.
الشباب الذين سيتوصلون بالإشعارات، مطالبون بالتفاعل الفوري مع الدعوة، والتسجيل ضمن الآجال المحددة.
لكن خلف هذا البلاغ الرسمي، تبرز أسئلة أعمق: ما الذي تعنيه الخدمة العسكرية في السياق المغربي اليوم؟ هل ما تزال تحمل فقط طابع الانضباط والتكوين العسكري، أم أنها تحوّلت إلى فرصة فعلية لبناء الذات، وتعزيز روح الانتماء، وكسب مهارات مهنية تؤهل الشباب لولوج سوق الشغل بثقة أكبر؟
الواقع أن السنوات الماضية أظهرت تحولًا في نظرة الشباب المغاربة إلى هذه التجربة. لم تعد تُرى كـ”مهمة إجبارية”، بل كمحطة تربوية وتكوينية، خصوصًا بعد أن اتضح أن المجندين يستفيدون من تكوين مهني، ورواتب محترمة، وتأمين صحي، بل وحتى فرص ولوج سوق الشغل بعد نهاية الخدمة.
الكرة الآن في ملعب الشباب. فالوطن، الذي يفتح أبواب التكوين والانخراط أمامهم، ينتظر ردهم. والإحصاء، رغم كونه إجراءً أوليًا، إلا أنه بمثابة اختبار أول لمدى جاهزية الجيل الجديد لتحمل مسؤولية المواطنة والمشاركة الفعلية في بناء المستقبل.