يتزامن يومه الخميس، الثامن عشر من مارس، مع آخر آجل ضربه الجيش الجزائري بأمر من الدولة العسكرية، لإجلاء سكان واحة العرجة شمال شرق فكيك من أراضيهم التي امتلكوها أبا عن جد واستغلوها فلاحيا من أجل العيش، واستقروا بها مُكرهين بواقع وجود هذه الأراضي على حدود وهمية بين المغرب والجزائر، تركها المستعمر الفرنسي على الغموض.
المغرب كدولة مدنية متحضرة، منخرطة في مواثيق هيئة الأمم المتحدة وقوانينها ومتشبثة بعلاقاتها السلمية مع كافة الدول، وفي مقدمتها دول الجوار، لن يرد على مثل هذه الاستفزازات الصادرة عن دولة عسكرية تفكر بمزاج عسكري، كما لم يرد الصاع صاعين ، قبل زهاء 45 سنة، حين تجردت، الطغمة العسكرية في هذا البلد من الإنسانية، قبل خروجها عن القانون الدولي، فبادرت إلى طرد خمس وأربعين ألف مغربي كانوا يعيشون بالجزائر في إطار القرابة والزوجية والمصاهرة والأخوة والعمومة والتجارة، لكن الدولة العسكرية نبذتهم إلى العراء عُزّلا، مجردين من ملابسهم وأموالهم وأثاثهم وحليّهم ووثائقهم، فقط لأن ذلك كان ردة فعل من حكام عسكريين استشاطوا حقدا وضغينة من النصر الذي حققه المغرب بفضل المسيرة الخضراء التي وضع بها حدا للأطماع الجزائرية ومن معها في الصحراء المغربية.
لاشك أن الانتصارات الجديدة التي مافتئ المغرب يحققها، يوما بعد يوم، في ملف قضيته الوطنية الأولى، الصحراء المغربية، بدءا بالنجاح الكبير في تحرير معبر الكركرات الحدودي لفائدة الرواج المدني والتجاري للقارة الإفريقية مع باقي المتعاملين في العالم، وانتهاء عند الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء على عهد دونالد ترامب، وتأكيد هذا الاعتراف على عهد جو بايدن، كلها نجاحات وراء ردة فعل الصادرة عن الدولة العسكرية في حق سكان العرجة على مشارف فكيك المغربية، ليتأكد أن الفشل والخسائر التي اعتادت الجزائر أن تتكبدها في الجنوب على الحدود، المحصن بالمشاريع التنموية الكبرى قبل تحصينه بالجدارات الأمنية، تخاول تعويضها بمناوشات على جهة الشرق حيث الخط المستقيم مع تندوف التي ركّزت فيها كيانها الوهمي بمخيمات العار وكل صنوف الإهانة للمحتجزين هناك، مفتعلة قضايا وهمية وعدوخارجي وهمي، هو المغرب.
القضايا الحقيقية التي على الدولة العسكرية أن تولي الاهتمام إليها من أجل مصلحة الشعب الجزائري، هي الأزمة الداخلية الخانقة. هي ارتفاع معدلات البطالة في سوق شغل ينعدم إلى مناخ أعمال متحرر من التبعية الاقتصادية لعائدات الغاز والبترول، هي الافتقار إلى البنيات التحتية العصرية والتجهيزية الملائمة التي يحتاجها اقتصاد متنوع وصاعد بصعود طموح الجزائريين في عيش كريم، بأسعار منخفضة للمواد الغذائية الضرورية، وفي حياة سلمية ينعم فيها الشعب بالانعكاسات الإيجابية لعائدات المنتوجات الطاقية عليه، لا يتضرر من صرفها على قضايا مفتعلة وباسم عدو خارجي لا وجود له. القضية الحقيقية الأولى التي تعيشها الدولة العسكرية، أيضا، في الجزائر، اليوم، هي الفشل الذريع في كسب مناعة جماعية للشعب الجزائري ضد كوفيد 19، حيث تعذر على دولة البترول والغاز التمكن من سياسة تلقيحية ناجحة بل على اللقاحات الكافية لتحصين الشعب الجزائري من الوباء، اللهم ما جادت به عليها هيئة الأمم المتحدة و المنظمة العالمية للصحة من نصيب من جرعات، مخصص للدول الفقيرة.
العدو الحقيقي للدولة العسكرية في الجزائر، باختصار، هو الحراك الشعبي الجارف بسبب البطالة والفقر والتهميش والفوارق الاجتماعية والهجرة السرية للشباب والنساء عبر قوارب الموت، والصحة والتطبيب بل هو الافتقاد إلى الديمقراطية والإبقاء على النظام العسكري الذي أكل عليه الدهر وشرب..
الدولة العسكرية والدولة المدنية
