Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الشركة يهمها الربح لا “التنوير”

إدريس عدار
تحولت قطعة بيسكوي ملفوف بالشوكولا إلى “بؤرة” للنقاش بالطريقة التي عهدناها. لا أحد يسمع للآخر. ووسط الضجيج يضيع المعنى الذي قد يكون بعيدا عن “العبارات” التي حملتها على ظهرها. ففريق قال إنها عبارات خادشة للحياء وفريق قال إنها استفزاز لتخلفنا. وعندما اضطرت الشركة لإخفاء البضاعة قال الفريق الثاني إنه تعرض للخيانة بعد أن قام مدافعا عن الشركة. طائفة اعتبرت العبارات خادشة وأخرى قالت إنها انتصار للمشاعر التي ينبغي التعبير عنها.
لست في وارد تحديد موقف في هذه الجمل، ولكن لدي سؤال: هل كانت الشركة تفكر في الحب وتثمين الذوق أو مواجهة فئة أخرى تظن أن الإفصاح عن ذلك عيب؟
الانتصار للتسليع حتى لو كان يخدم هدفك هو انخراط في معركة باطلة. الشركة تنتج من أجل الربح ولا تعني لها المشاعر شيئا. الشركة (أي شركة) تطرد عمالا وتشرد عائلات ولا تحس بذلك. ما يهم الباطرون هو تحقيق الأرباح ومراكمتها. لو كانت الشركة تعير اهتماما للمشاعر، قبل الحب تتعاطف مع العامل، الذي تضطر أحيانا لتشغيله في ظروف قاسية.
لنبتعد عن البسكوي ونتحدث عن منتوج آخر. عن النسيج وقطاع الألبسة. الشركة التي تصنع “الخمار” هي نفسها التي تصنع “التنورات القصيرة”. حتى إذا كان لزاما الحديث عن مشاعر فيما يخص الشركات فليكن الحديث عن “مشاعر السوق”.
السوق لا يهمه من أنا ومن أنت. السوق لا يهمه أن أموت أو أحيا، أن أحب أو أن أكره. السوق يهمه كم أستهلك وكم أشتري حتى لو لم أستهلك البضاعة وتركتها عرضة للضياع. السوق بضاعة جامدة، وقد تنجح الشركة في تسويقها وقد تفشل أحيانا. وقد يكون السوق أيضا وسيلة للضبط الاجتماعي وتوجيه الرأي العام. السوق محايد فيما يتعلق بالمشاعر والانتماء.
وفي المشاعر لا يرى صاحب السوق إلا أثمنة العطور والورود والهدايا. يحاول أن يربط بين قوة الإحساس وبين غلاء الهدية. كلما ارتفع ثمن قارورة العطر كان التعبير عن الحب أكبر. وهي كذبة السوق، الذي يعرف قيمة واحدة: الربح. يربح حتى من بيع الأكفان والتوابيت.
الذين اعتبروا العبارات خادشة للحياء حبذا لو ركزوا على ما “يخدش” الجيوب. حبذا لو انصب اهتمامهم على نمط الاستهلاك، الذي لا يليق بمجتمع ليست فيه وفرة.
الذين انتصروا للعبارات الواردة في قطعة البسكوي بداية ثم تأسفوا لسحبها نهاية مخطئون للغاية. فلن تقود الشركة معركة “التنوير” نيابة عنكم. إذا كانت النية صادقة في هذه المعركة فينبغي أن يخوضها المثقف والمفكر والكاتب والمعني بها. معركة لن يخوضها “صاحب سوق” حتى لو كان ينتمي لمهن الثقافة وصناعتها إن لم يكن “صاحب مشروع”.

Exit mobile version