Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الشيخوخة! مع أو ضد؟

سناء البوعزاوي
الشيخوخة ليست مرضا! استهلت مقالي هذا بهاته العبارة لكي أقول كفى من التضخيم والتهويل بل والتخويف من هاته المرحلة العمرية، التي إذا أطال الله العمر لا بد من الوصول إليها وعيشها بكل مقاييسها. مع تطور العالم والعولمة تتطور معه نظرة الإنسان للعالم والفرد وتتغير بذلك معايير الجسد وجماله لدرجة الرغبة في الوصول إلى مرحلة الكمال بالشد والنفخ والتكميم… وما إلى ذلك من عمليات ووصفات تجميلية، تصبو بذلك إلى تخليد الجسد في أبهى حلة، لأن أبسط رمز للتقدم في السن يصبح ذلك الشبح الذي يطارد النفسية ويجر بها إلى أمراض الاكتئاب والاعتراض على الطبيعة البشرية، أو دعنا نقول طبيعة كل كائن حي فوق البسيطة، الذي لابد له من المرور بفترة الطفولة والشباب ثم الشيخوخة، هاته الكلمة التي أصبحت في عالمنا الحالي وكأنها معيبة! وكأنها مرض عضال، لا يحبذها الكثيرون، فأينما تولي وجهك وخصوصا في المدن الكبرى ترى على اللافتات مكتوبا بالبند العريض “عيادة تجميل وعلاج ضد الشيخوخة” أثارتني هاته العبارة التي أصبحت أشهر من النار على علم، وكأن كلمة “ضد” تعطيك إحساسا بأن الشيخوخة غير مرغوب فيها وعلينا القضاء عليها! فعلا إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى فالجمال مرغوب ومحبوب والله جميل يحب الجمال، لكن بكثرة تهويل موضوع الشيخوخة أصبح هاجسا ووحشا مريبا، في بادئ الأمر للنساء حتى طال الرجال أيضا في كل المجتمعات الشرقية والغربية، فأصبحت الشركات والماركات العالمية تلعب على هذا الوتر الحساس وتجني منه الأموال الطائلة، فترى مستحضرات التجميل والكريمات والمراهم الباهظة الثمن، كلها تحت عنوان “ضد الشيخوخة” بل حتى واقي الشمس اليومي تجد أغلبه مكتوبا عليه “يؤخر الشيخوخة”! لكنها في الحقيقة فقط عبارات “الماركوتينغ” لتزيين وتسويق منتجاتهم ورفع الإقبال عليها، فما من تأخير لأجل محتوم، فعوض التهويل والتخويف والتعظيم، لا بد أن نتذكر أن الشيخوخة هي مرحلة من المراحل العمرية لكل مخلوق، تبتدئ في منتصف العمر غالبا وتستمر مع مرور الزمن وتصحبها تغيرات جسدية وعقلية واجتماعية وكما يقول المثل الشعبي المغربي “أولنا ضعف وآخرنا ضعف”، فمن بين هاته التغيرات التي تطرأ على الفرد؛ ضعف في البصر والسمع وربما بطء في المشي بسبب ضعف العضلات والعظام، وعدم التركيز أو نسيان الأشياء بسبب ضعف الذاكرة، والإصابة بالاكتئاب نظرا للإحساس بالوحدة، حيث يكبر الأولاد والكل يكون منشغلا في حياته ومع أطفاله، وقد يفقد أفرادا من عائلته الصغيرة أو الكبيرة، فيحس الإنسان بأن لديه فراغا قاتلا إذا لم يشغل نفسه في القراءة والانخراط في نادٍ اجتماعي وربط علاقات ربما جديدة مع من هم في سنه لتبادل أطراف الحديث والخبرات… وما إلى ذلك، لأن سن التقاعد قد تلعب على نفسية البعض، خصوصا من يتشبثون بالعمل ويجدون فيه راحة وانتماء، فيفقد بمجرد انتهاء مدة عمله كأنه انتهت مدة صلاحيته وعطائه وانتهت معها قيمته في المجتمع، فيصاب الإنسان سواء كان امرأة أو رجلا بنكسة نفسية، خصوصا إذا لم يجد المواكبة والمرافقة النفسية لأن هاته الفترة العمرية تتميز بالهشاشة.
نحن لا نريد أن نبخس جهود الإنسان في محاولة ورغبة منه أن يحافظ على صحته ورشاقته وحيويته، أطول فترة ممكنة، فهذا أمر مشروع ومحبوب، لكن ما نريد لفت الانتباه إليه هو عدم تضخيم الأمر لدرجة الإحراج إذا سأل الواحد عن عمره وكأن سنه معيبة له، فلا معيب كالجهل! فيقال إن المرأة، وبما أننا على أبواب يومها العالمي الذي تحتفي به كل امرأة في كل بقاع العالم، إنها إذا أرادت أن تكون جميلة فيمكن أن تلجأ إلى مستحضرات ومساحيق التجميل، لكنها سرعان ما تزول بمجرد غسل الوجه، ويمكنها كذلك أن تلجأ لعمليات التجميل لتزيد من جمالها وتبرز أنوثتها، لكنها في غالب الأحيان مكلفة وتتطلب استمرارية مؤرقة، وقد تكون أضرارها وخيمة على الصحة وقد تنقلب إلى ضدها فكم سمعنا من عمليات تجميل باءت بالفشل وأصبح أصحابها، أو بالأحرى ضحاياها يعانون الأمرين، ويتمنون لو رجعوا إلى أشكالهم السابقة ووعهدهم المعهود واسترجعوا معالم وجوههم الأولى، ويمكن للسيدة كذلك أن تلجأ إلى حل آخر ألا وهو القراءة ومطالعة الكتب فهي بالتأكيد أجمل ما تتجمل به المرأة، لأنه كنز لا ينضب وجمال داخلي، يروي الروح ويغنيها فينعكس بذلك على المظهر الخارجي فيصبح جذابا ومبهرا، علاوة على ذلك، كلما كبرت السيدة في السن ودرست وحصلت وتثقفت، أصبحت أكثر حكمة وتصبح لها جاذبية خاصة فينجذب لها الكبير والصغير والكل يسعى إلى ودها والتقرب منها للاستفادة من خبرتها ونصحها ومواكبتها، فمن أجمل ما قرأت ذات يوم، أنه “إذا مات شيخ كبير فكأنما احترقت مكتبة كبيرة”! إذا تمعنا في العبارة فسنجد أنه فعلا الناس الكبار في السن؛ هم بمثابة موسوعة كبيرة وموروث ثقافي جميل، يستفيد منه الجيل الموالي ليزرعه بدوره في أطفاله وهكذا دواليك، فكما يقول المثل، زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون وهاته هي سنة الحياة لا بد من الوصول إلى هاته المرحلة العمرية لا محالة، لكن من الذكاء والحكمة، أن نعد لها، ليس بالشد والشفط دائما، لكن بإغناء مكتبتنا الداخلية وإثرائها فنصبح بذلك أكثر إثارة وجاذبية للناس حولنا، بل ونبقى خالدين في الأذهان والعقول، ما أجمله من استثمار!

كاتبة ومختصة في التنمية الذاتية و باحثة في علم الاجتماع

Exit mobile version