في إطار التنابز بالألقاب المنهي عنه قرآنيا باعتباره “الاسم الفسوق”، وصف الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب الرجل الثالث في الدولة بروتوكوليا، عبد الاله بنكيران ب”الذيب الشارف”، ورد عليه الآخر ب”الحمار”. ليس غرضنا إعادة الحديث عن الموضوع، وكنا تطرقنا له بالأمس، ولكن فقط لنضع زعماء اليوم أمام حجمهم الطبيعي، وحتى لا يزايد علينا أحد.
خلال “المناتفة” بين الزعيمين، قال رشيد الطالبي العلمي “بنكيران خاصو يكون خلا بلاصتو للشباب مثلما فعل عصمان”، وتبين أن الفارق العمري بينه وبين بنكيران لا يتعدى أربع سنوات. ولأن الرجل “زعم” كثيرا قال كلاما ثقيلا لا يعي معناه ومبناه وهو الذي قال مخاطبا غريمه “هاذ الشي اللي تقدر تفهم” ونحن نقول له أيضا “هاذ الشي اللي تقدر تفهم”.
الطالبي العلمي قال ذات تجمع حزبي إن “التجمع الوطني للأحرار يبحث عن بدائل في الاقتصاد لتطويره ومقترحات لتحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين، ولا يطرح بدائل تخص الدين الإسلامي، والنظام السياسي والثقافة المغربية، وأن الأحرار مقتنع بالنظام الملكي والدين الإسلامي وبالثقافة المغربية بكل روافدها”.
مضحك أن تصل الوقاحة بزعيم سياسي وفي خضم “المعاركة” مع خصمه أن يقول إن حزب التجمع مقتنع بالملكية. طبعا الطالبي العلمي ليس من الجيل الأول للتجمع ويجهل كثيرا من تاريخه. من العيب أن تقول إن حزب التجمع مقتنع بالنظام الملكي، لأنه أولا لم يعد هناك حزب لا يؤمن بالملكية والاختلاف حول آليات التدبير، وثانيا لأن حزب الحمامة تأسس بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، في ظروف معينة كانت تعرف حالة من التوتر بين الدولة والمعارضة، ولأن المغرب قرر السير في التعددية الحزبية كان الدفع بتأسيس أحزاب ليبرالية صيغة للمواجهة بينما اختارت دولا أخرى “محو” الأحزاب، في وقت كان الأمر مقبولا.
أما قوله إن التجمع لا يطرح بدائل تخص الدين الإسلامي فهو قول مضحك لأن أمر التجديد الديني قد يكون قضية يجمع عليها الجميع، فإذا كان الدين من الثوابت لكن القراءة للنص المقدس من الأمور التي رافقت الوجود الديني بالمغرب، وعرف المغاربة حركة اجتهاد كبيرة حتى بعد إغلاق باب الاجتهاد في المشرق، ومشهور عند المغاربة “فقه النوازل”، ويجهل الطالبي أن تعديل مدونة الأسرة جاء بناء على قراءة متجددة للنص الديني.
الطالبي يجهل أيضا أن جلالة الملك محمد السادس وبصفته أميرا للمؤمنين أطلق حركة اجتهاد وتجديد كبرى من أجل تثوير المعنى الديني قصد مواجهة القراءة الرجعية للقوى التكفيرية، وهو الحراك الذي أتى أكله وأثمر مصالحات وسط الجهاديين ومراجعات وتراجعات من شأنها التخفيف من الدعاية التي تمارسها الجماعات المتطرفة.
ونعود الآن إلى ما زعمه الطالبي العلمي بتوفر حزب التجمع على مشروع وبدائل في الاقتصاد. لو تحدث عن الماضي لصدقناه، ولكن بعد أن فقد الحزب هويته فإن ما فاه به ليس سوى لغو كلام. لا يمكن لأي كان أن يزعم أن حزب الحمامة، مع النزعة الأخنوشية، يتوفر على بدائل في الاقتصاد، لأن عزيز أخنوش بنفسه يقود “تجمع المصالح الكبرى”. لا يمكن لمن يبحث عن الربح أن يبحث عن بديل اقتصادي للبلاد.
لما كان حزب التجمع يتبنى إيديولوجية الوسطية الاجتماعية كان يتوفر على بدائل اقتصادية واجتماعية وسياسية، وكان يركز على ما هو اجتماعي، أي توسط بين الرأسمالية والاشتراكية، بينما اليوم هو حزب يدافع عن “الرأسمال” فقط، وكان يدافع عن التزامات الدولة الاجتماعية، وكان يتحالف مع بعض النقابات، لا من موقع الإسكات، كما حدث بين أخنوش وميلودي موخاريق، ولكن من باب تبني كثير من مطالبها.
أما سياسيا فمعروف أن الرئيس المؤسس أحمد عصمان، شافاه الله وعافاه، كان من أشرس المدافعين عن الاتحاد الاشتراكي عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني ينوي حله سنة 1981، وعارض عصمان هذا القرار بشدة وكانت له مبرراته التي أقنع بها الملك الراحل، وكذلك الشأن عندما دافع عن صحافة حزب التقدم والاشتراكية والمرحوم علي يعتة.
عندما يريد الطالبي أن يذكر عصمان عليه أن “يمسح فمه بالعسل أما السمن فهو حار”. ليس في هذا أي دفاع عن عصمان، ولكن لأن الفارق الكبير بين الزعامات دقيق جدا. ولن نقارن بين عصمان والطالبي، ولكن بين وبين أخنوش الذي يجلس مكانه اليوم. عصمان رجل دولة خبر الوزارة وسفارة المغرب في أكبر عاصمة في العالم أي واشنطن ووزير أول ورئيسا للبرلمان. أما أخنوش فهو صاحب مال أنزلته الشكارة منزلة الرئيس والطالبي أقل منه طبعا.
كما لا يمكن طبعا المقارنة بين بنكيران وبين الدكتور الخطيب رحمه الله، الذي يعتبر صديقا للملوك الثلاثة، وكان زعيما كبيرا وصديقا لنيلسون مانديلا وكثيرا من الزعماء، بل هو الذي لم يخفه “الإخوان المسلمون” واحتواهم واعتبروه منهم، ونعاه مرشدهم عند وفاته، بل إن رئيس ديوانه في البرلمان هو توفيق الشاوي القيادي في الإخوان، كما أن الدراع المالية للإخوان يوسف ندا يقول في مذكراته “إن الدكتور الخطيب هو الدي قدمني للمسؤولين الإيرانيين”، عندما كان لدينا زعماء لم تكن تخيفنا الحركات ولكن كان لدينا من يستطيع توظيفها لصالح البلاد، وعندما نزلنا إلى الحضيض يظن الزعيم أن الحرب على “الإخوان” تقتضي استعمال مصطلحات حديقة الحيوان.
نقول للطالبي العلمي رغم وصولك إلى رئاسة مجلس النواب لمرتين فقد فاتك أن تكون زعيما في صف الزعماء الذين عرفهم المغرب.
الطالبي والمشروع السياسي
