عندما تغيب المعارضة الواقعية تحضر المعارضة الافتراضية أو الرقمية، غير أنه ينبغي التأكيد على أن المعارضة الرقمية لا تعني أنها “خيالية” أو غير موجودة، بل بالعكس إنها معارضة حقيقية لها جذور في الواقع، لكن التعبير عنها يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت كان ينبغي أن تكون هذه التعبيرات محتضنة من التنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وبما أن الأغلب تخلى عن وظيفته التي من أجلها يوجد فإن التعبيرات المعارضة تبحث عن حاضنة جديدة في مواقع التواصل الاجتماعي.
لا ينبغي الاستهانة بتاتا بالتعبيرات الرافضة والغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، فالتعبيرات الافتراضية لها امتداد وحاضنة اجتماعية، ولولا العوامل التي تؤجج مثل هذه النزعات ما وجدت لها تربة خصبة، سواء كانت صادقة أو موجهة من قبل جهات لها أجندات معينة.
تخرج بين الحين والآخر دعوات إلى تنفيذ أشكال احتجاجية ضد الواقع المر، الذي تجسده موجة الغلاء الفاحش، وبعض هذه الاحتجاجات خرج عن السيطرة مثلما وقع في بعض الأسواق، واليوم هناك من يدعو لوقفات بعد صلاة التراويح خلال رمضان ثم الاستمرار بعد ذلك رافعين عدة مطالب، ولا يمكن أن ننكر أن العديد من الأصوات هي تعبير صادق عن الواقع، وأخرى تحمل كلمة حق لكن في طريق الباطل.
عمليا لا يمكن أن تمنع أحدا من التعبير عن رأيه في بلاد مبنية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن ينبغي تأطير كل حركة في مكانها، حتى نعرف إلى أين نسير.
لماذا توسعت دائرة الاحتجاج الرقمي بدل الواقعي؟ بما أن هذه التعبيرات لها امتداد على أرض الواقع كان المفروض أن تكون واقعية؟
في نظرنا يعود سبب ذلك إلى ثلاثة أمور رئيسية مصحوبة بعوامل أخرى حتى لو كانت ثانوية فإنها “تصب الزيت على النار”.
العامل الأول مرتبط بطريقة تدبير الحكومة للشأن العام، حيث ظهر أنها تخدم مصالح ضيقة لفئات قليلة من رجال الأعمال، وأنها تتخذ القرارات وتصيغها وفق ما يفيد هؤلاء بينما يضر بحقوق المواطن البسيط، ويعتبر هذا السلوك عاملا مؤسسا للمعارضة الرقمية، بما هي طريقة موسعة للتعبير عن الرأي الذي يمكن أن يصل إلى فئات واسعة.
العامل الثاني هو غياب التأطير التنظيمي للشباب، أي غياب المعارضة وتخليها عن وظائفها الأساسية، فهي التي كان ينبغي أن تحمل عبء الدفاع عن مصالح المواطنين، وهي التي كان ينبغي أن تكون لسانهم، لكن ظهر أنها لا تتحدث إلا متأخرة وبعد فوات الأوان، وبالتالي يشكل هذا الغياب عاملا لارتماء المحتجين في أحضان دعوات السوشل ميديا. كما تغيب اليوم بشكل كبير جمعيات المجتمع المدني، التي كانت الحاضنة الأولى للشباب قبيل تشكل وعيه السياسي والثقافي.
والعامل الثالث هو وجود جهات عبارة عن تكتلات بشرية ليس لها عمق اجتماعي فتلجأ إلى التواصل الاجتماعي لخلق ديناميكية سياسية.
ما يجري في مواقع التواصل الاجتماعي تعبير طبيعي عن الواقع لكن في عالم افتراضي، مما يجعله يشكل خطورة على المجتمع لأنه تعبير منفلت ليست له ضوابط.
المعارضة الرقمية…غياب الأحزاب والجمعيات عن تأطير المجتمع؟
