شهدت الساحة السياسية المغربية سجالاً حاداً بين مكونات الأغلبية والمعارضة داخل قبة البرلمان، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بشأن فاعلية السياسات الحكومية ومدى استجابتها لانتظارات المواطنين، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية متراكمة.
و هاجم رشيد حموني، رئيس الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية، هاجم بشدة أداء الحكومة، متهماً إياها بفشل ذريع في حماية القدرة الشرائية للمواطنين، رغم اتخاذها سلسلة من الإجراءات التي وصفها بـ”العقيمة”. واستدل حموني بعملية استيراد المواشي خلال عيد الأضحى، حيث تم صرف حوالي 437 مليون درهم من أموال الدولة ما بين سنتي 2023 و2024، دون أن يُترجم هذا الإنفاق إلى انخفاض في أسعار الأضاحي أو تحسن في وضع السوق.
وأضاف أن “الإجراءات الحكومية لم تترك أي أثر ملموس على أرض الواقع”، مشيراً إلى أن الأموال العمومية ذهبت لجيوب 18 مستورداً فقط، كما أكد أن تصريح وزير في الحكومة دعم هذا الطرح، داعياً إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، متسائلاً عن سبب “خوف الحكومة من الشفافية”.
وسجل حموني بقلق ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة، مشيراً إلى أن “2.3 مليون مغربي انزلقوا تحت عتبة الفقر خلال سنة 2024، حسب أرقام رسمية”، وأن “85% من المواطنين تدهور مستوى عيشهم”، إضافة إلى “وجود 4 ملايين شاب لا يدرسون ولا يعملون”، وارتفاع نسبة البطالة إلى أزيد من 13%.
كما انتقد مخطط “المغرب الأخضر”، معتبراً أنه كان مشروعاً مكلفاً أدى إلى استنزاف الموارد المائية وتدمير الفلاحة المعيشية، ومشيراً إلى أن الوزيرة السابقة شرفات أفيلال تم إعفاؤها فقط لأنها دافعت عن أولوية توجيه الماء للشرب بدل السقي.
ومن جهته، اتهم عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي، الحكومة بالإخلال بالتوازنات المؤسساتية عقب انتخابات 2021، وذلك بسبب استحواذ ثلاث أحزاب قوية على مراكز القرار، وترك معارضة عددياً ضعيفة أمام أغلبية مهيمنة.
وسجل شهيد غياباً مقلقاً لعدد من الوزراء عن جلسات البرلمان، إذ أن 60% منهم لا يحضرون بانتظام ولا يتجاوبون مع أشغال اللجان. وأكد أن الحكومة منذ تنصيبها لم تقدم سوى التبريرات، متذرعة تارة بجائحة كورونا وتارة أخرى بالجفاف أو الحرب في أوكرانيا، رغم أن العديد من دول العالم تعافت من هذه الأزمات.
وأضاف أن الحكومة فشلت في تنفيذ التزاماتها، وعلى رأسها تقليص البطالة، مشيراً إلى أن نسبة العاطلين عن العمل بلغت مستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب. كما انتقد تعطيل لجنة تقصي الحقائق المتعلقة باستيراد المواشي، مبرزاً أن لجنة تقييم مخطط “المغرب الأخضر” تم تجميدها منذ سنتين.
وبخصوص المخطط الفلاحي ذاته، قال شهيد إنه ساهم في تدمير الثروات المائية والفلاحية، خصوصاً من خلال تصدير الخضروات والفواكه، دون مراعاة حاجيات السوق المحلية، معتبراً أن الحكومة لم تقدم سوى “شعارات براقة” مثل “الدولة الاجتماعية”، لكنها لم تحقق العدالة الاجتماعية بل عملت على “إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء”.
في المقابل، دافع محمد شوكي، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، عن أداء الحكومة، واعتبر أن المعارضة “مشتتة وضعيفة أمام حكومة منسجمة ومتماسكة تنفذ برنامجها الحكومي بإجماع داخل مكوناتها”. ووصف شوكي خطاب المعارضة بأنه “رومانسي وغير واقعي”، مضيفاً أن معارضتها لا ترتكز على معطيات دقيقة بل على “أرقام مغلوطة وأوهام انتخابية مبكرة”.
وقال شوكي إن الحكومة لا تمارس التغول كما تدعي المعارضة، بل تقوم بمهامها بناءً على انتداب شعبي ديمقراطي حصلت عليه من صناديق الاقتراع. وأكد أن الإجراءات المتخذة من طرف حكومة أخنوش كانت فعالة في مواجهة تقلبات السوق العالمية، لا سيما في ما يتعلق بالقدرة الشرائية للمواطنين.
وتوجه شوكي برسالة سياسية واضحة، مفادها أن “حكومة أخنوش الأولى أنجزت الكثير، وستأتي حكومة أخنوش الثانية لتستكمل هذه الأوراش”، مشيراً إلى أن الشعب المغربي منح الحكومة الحالية أكبر نسبة من الأصوات، وهو ما يؤكد حسب قوله على وجود تواصل وثيق بين الحكومة والمواطنين.
و يبقى هذا الجدل الساخن داخل البرلمان مؤشراً على تصاعد التوتر بين الأغلبية والمعارضة مع اقتراب منتصف الولاية الحكومية. وبينما تتهم المعارضة الحكومة بتغييب النقاش الجاد واحتكار القرار السياسي، ترد الأغلبية بأن خصومها يسعون إلى تسجيل نقاط انتخابية سابقة لأوانها عبر خطاب شعبوي.
ومع استمرار تدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، يزداد الضغط على حكومة عزيز أخنوش لتقديم أجوبة واضحة، ليس فقط داخل قبة البرلمان، بل أيضاً أمام الرأي العام الذي يطالب بتغييرات ملموسة على أرض الواقع، تتجاوز الشعارات والخطابات السياسية.
المعارضة تتهم الحكومة بتفاقم الفقر بالمغرب بإستيراد كل شيء
