Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المغرب : الأمازيغية والحسانية لغتان للوحدة و رافعتان للجهوية المتقدمة

فؤاد بوجبير : باحث في علوم الإدارة والتدبير

انطلاقاً من رغبة راسخة لإعادة تأهيل اللغات الوطنية في الحياة العامة والمؤسساتية، تفرض اللغتان الأمازيغية والحسانية نفسيهما كأدوات رئيسية للتماسك والتنمية المجالية والهوية المشتركة. في بلد منخرط في تدبير جهوية متقدمة، تصبح الثقافة أكثر من أي وقت مضى استراتيجية دولة.

لقد شكل دستور 2011 خطوة فاصلة في حسم المسألة اللغوية عبر إقرار الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، وحسم المسألة اللغوية و الهوياتية عبر تحديد الأبعاد الهوياتية المغربية وروافدها العربية الأمازيغية الحسانية والاندلسية الأفريقية والعبرية. هذا التعريف الجديد للهوية المغربية يبرز العمق الديمقراطي و الاستراتيجي للدولة في التثمين والسمو بالابعاد والمرتكزات المحددة لما يسمى عاميا بتامغرابيت، وتكريس صريح للاهتمام بالإنسان والمجال وحفظ الذاكرة الجماعية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.

وتشمل المسألة الثقافية الأمازيغية والحسانية بعدا هاما في هذا البناء الثقافي على اعتبار أن هناك بعض الأصوات الانتهازية والانفصالية تحاول أن تستغل المسألة الثقافية واللغوية لتغطية نزعتها الانفصالية، والمغرب كبلد متفرد لم يسمح بفتح هذا الشرخ والعمل بذكاء في مختلف إصلاحاته الإدارية والمؤسساتية على تدعيم هذا التمازج الهوياتي دون السقوط في منطق التنميط المجالي.

 

ويعد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خير مثال للتدبير الراقي للمسألة الثقافية حيث قامت هذه المؤسسة بمجموعة البرامج و المبادرات التي عجلت بالسمو بالأمازيغية من لهجات محلية إلى لغة رسمية مدعومة بتراث ثقافي واسع يحفظ التمايز المجالي داخله بين الأطلس والريف وسوس ويغني الهوية الوطنية مما يعكس أن في التعددية الثقافية المجالية قوة للهوية الوطنية المغربية.

 سياسة لغوية ذات أسس متينة

إن ورش تفعيل الأمازيغية لا يستند إلى شعارات، بل هو مؤطر بترسانة قانونية مهيكلة، ولا سيما القانون التنظيمي رقم 26.16، الذي يحدد مراحل إدماج اللغة الأمازيغية في القطاعات العامة مثل التعليم والإعلام والعدل والإدارة. موازاة مع ذلك، ينص الفصل الخامس من دستور المملكة لسنة2011 على إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية و الحسانية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا.

إلى جانب الاعتراف الرسمي، عبأت الدولة موارد مالية هامة: فقد تم تخصيص أكثر من 300 مليون درهم في عام 2023 لدعم البرامج المتعلقة بتفعيل الأمازيغية، وتطمح الدولة لبلوغ مليار درهم بحلول عام 2026. وهو مجهود من شأنه أن يمتد في المستقبل ليشمل تعزيز الحسانية في المناطق الصحراوية للمملكة.

 الأمازيغية والحسانية : ركائز لجهوية متجدرة

في الأقاليم الجنوبية، حيث يشكل مشروع الحكم الذاتي للصحراء المغربية العرض السياسي الوحيد و الأكثر جدية ومصداقية على الصعيد الدولي، فإن تثمين اللغة الحسانية ليس مجرد أمر هامشي. فالحسانية، لغة التواصل الشفهي والشعر وتقاليد الأقاليم الجنوبية، تجسد هوية صحراوية متجذرة، كانت دائماً، و منذ عصور خلت، مندمجة بشكل كامل في الرصيد الثقافي الوطني.

ومن خلال التعليم والإعلام المحلي والإدارة الجهوية والمجالس المنتخبة، تعزيز اللغة الحسانية يهدف إلى تقوية الشعور بالانتماء، ومواجهة الخطابات الانفصالية، وترسيخ شرعية حكامة ترابية قائمة على التجذر الثقافي.

أيضا الإدماج التدريجي للأمازيغية في دوائر الحياة العامة، من الأطلس إلى سوس مروراً بالريف وجزء من الصحراء المغربية، يندرج في نفس المنطق : جعل اللغة أداة للمواطنة والتنمية والتقارب مع الدولة.

 مقاربة ثقافية في خدمة المشروع الوطني

إن الجهوية المتقدمة التي يقودها المغرب لا تقتصر على مجرد اللامركزية التكنوقراطية البسيطة، بل تطمح إلى تجسيد شكل جديد من الحكامة، حيث تعبر كل جهة عن خصوصيتها الثقافية مع المشاركة الفعالة في بناء أمة قوية وموحدة.

في هذا الإطار، تصبح الأمازيغية والحسانية رافعتين في الأقاليم الجنوبية،حيث يتخذ هذا النهج بعداً جيوسياسياً. فهو يقدم رداً ثقافياً قوياً على النزعات الانفصالية ويؤكد وحدة المغرب من خلال الاعتراف بتعدد روافده الثقافية كما ينص عليه الدستور، و يؤكده التاريخ، للانخراط والاندماج. فهما تعززان الديمقراطية المحلية، وتضفيان طابعاً إنسانياً على العمل العمومي، وتضعان المواطن في صلب عملية صنع القرار والتنمية الجهوية.

إن نشر مراسيم متتالية لتعزيز استخدام الأمازيغية في الإدارة، والاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً، والدعوة إلى إدماج اللغة الأمازيغية في الخدمات الرقمية، تعكس هذه الإرادة لسياسة لغوية نشطة وحية، وليست مجرد إحتفالية.

 طموح متعدد اللغات لدولة حديثة

الرهان واضح : جعل التنوع اللغوي محركاً، لا عائقاً. ينبغي للجهوية المتقدمة أن تعاش بلغة الإقليم. يتعين على مواطن الأقاليم الجنوبية أن يكون قادرا على التواصل مع إدارته بالحسانية؛ وساكن الأطلس أو سوس، بالأمازيغية. هكذا تولد المواطنة الفعالة و المتجذرة، وتتجاوز الإحباطات التي خلفتها عقود من التوحيد اللغوي.

هذا يتطلب استثمارات مستمرة، وتكوينًا مكثفًا للأساتذة والموظفين، وإرادة سياسية حازمة. والأهم من ذلك، يتطلب رواية وطنيًة مشتركًة : رواية مغرب تعددي، وعصري، وغني بالفسيفساء الثقافية لمناطقه وحيوية سكانه.

 لغات الروح، رافعات المستقبل

الأمازيغية والحسانية ليستا مجرد تعبيرات فولكلورية. لقد أصبحت أداتين استراتيجيتين في خدمة مشروع وطني طموح : ترسيخ الوحدة بالتنوع، وتعزيز الديمقراطية المحلية بالاعتراف الثقافي، وبناء جهوية متقدمة تكون في آن واحد مدرسة للمواطنة وحصناً ضد الانقسامات.

في هذا المغرب المتحول، لم تعد اللغة مجرد وسيلة للتواصل: إنها روح الأقاليم، ومفتاح حكامة عصرية، ووعد بمستقبل مشترك.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version