في ظل تغيرات مناخية متسارعة وأزمات بيئية تتفاقم عامًا بعد آخر، يجد المغرب نفسه في قلب معركة شرسة من أجل حماية أحد أهم موارده الطبيعية: الماء.
سنوات من الجفاف المتكرر والتراجع الحاد في منسوب المياه الجوفية رسمت ملامح أزمة تتطلب تدخلاً عاجلًا، وها هو المغرب يتحرك على أكثر من جبهة لمحاصرتها.
من جوف الأرض إلى حوض سبو: تحولات في التفكير المائي
لم تعد المياه الجوفية، التي لطالما كانت سندًا صامتًا للزراعة والحياة اليومية، قادرة على تلبية الطلب المتزايد. مناطق كبرشيد وسوس ماسة بدأت تدق ناقوس الخطر، مع تراجع منسوب المياه إلى مستويات غير مسبوقة.
في مواجهة هذا الواقع، اختارت وزارة التجهيز والماء توجيه البوصلة نحو سياسات أكثر جرأة، بدأت من مشروع الربط بين الأحواض المائية، وعلى رأسها الربط بين حوض سبو وأبي رقراق.
70 مليون متر مكعب تُنقل سنويًا إلى فرشة برشيد، في محاولة لوقف النزيف المستمر. خطوة قد تبدو تقنية في ظاهرها، لكنها تحمل بين طياتها بُعدًا استراتيجيًا يعكس وعياً متزايداً بضرورة الموازنة بين الاستهلاك والحفاظ على الاستدامة.
مشاريع ربط جديدة: نحو منظومة مائية متكاملة
في خضم هذا الحراك، يبرز هدف طموح: نقل 800 مليون متر مكعب من المياه بين الأحواض سنويًا. الربط بين أم الربيع وأبي رقراق، ولاحقًا بين سبو ولاو، يشكّل جزءًا من رؤية متكاملة لبناء منظومة مائية مرنة، قادرة على امتصاص الصدمات المناخية وتأمين الماء للمناطق الأكثر هشاشة.
تحلية مياه البحر: حين تعانق التكنولوجيا الأمل
بعيدًا عن الأحواض والأنهار، تتجه الأنظار نحو البحر. المغرب لم يكتفِ بحلول تقليدية، بل استثمر في تحلية المياه كمصدر جديد ومهم.
16 محطة قائمة، أبرزها محطة أكادير، وضعت الأساس لرؤية بحرية جديدة، فيما يُرتقب أن تُحدث محطة الدار البيضاء المرتقبة – الأكبر في إفريقيا – نقلة نوعية بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 مليون متر مكعب.
ترشيد الاستهلاك وتغذية الفرشات: وجه العملة الآخر
لكن المعركة لا تُكسب فقط من خلال زيادة العرض. العقلانية في الطلب تلعب دورًا محوريًا. لذلك، يراهن المغرب على تقنيات الري الذكي، وإعادة استخدام المياه المعالجة، ومحاربة الضخ العشوائي، في محاولة لتعبئة 1.7 مليار متر مكعب إضافي بحلول 2030. إنها معركة على الجبهات كلها، من سياسة التخطيط إلى سلوك الفرد.
مستقبل مشترك: الحل يبدأ من الناس
في مناطق كالحوز وسوس، حيث الماء صار عملة نادرة، يصبح صوت الفلاح الصغير والمزارع المحلي جزءًا من الحل.
إشراك الفاعلين المحليين في إدارة الموارد المائية لم يعد خيارًا بل ضرورة. فالحفاظ على الفرشات الجوفية لا يمكن أن يتم من دون تغيير في العقليات والعادات، وتكاتف الجهود بين الدولة والمواطن.
أمام هذه التحديات، يبدو أن المغرب لا يواجه فقط أزمة ماء، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرته على التكيف والابتكار والاستدامة. فهل تنجح هذه الجهود في تأمين ماء الغد؟ وحده الزمن، مدعومًا بالإرادة والعمل، سيكشف الجواب.