Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

النخبة السياسية وأزمة  المواطنة

أحمد الدرداري : رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات

ان الحديث عن الفكر العمومي والصالح العام وعلاقتهما  بدور النخبة يثيران مسألة سماسرة المبادئ والأفكار التي أدت الى اختفاء سعة أفق الفكر العام، ذلك ان تضييق الاهتمام بالصالح العام والحياة العامة أصبح أمرا واقعا ومقلقا ، ومنه تجلي بوادر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لاسيما بعد افلاس الحياة السياسية كنتيجة لاصطناع النخبة السياسية الكلاسيكية لأكذوبة ” الشأن العام” التي اقترنت بالحساسية الأخلاقية والتصور المستقل للعقل، فطرحت على اثرهما المصلحة العامة والامتثال للضغوط التي يتصرف في ظلها السياسيون، كمثل تعامل الكاتب مع المتتبعين لكتاباته والتي تعكس حساسيته تجاه المشاكل الفكرية، سواء تعلق الامر بتلك المتعلقة بتعاطيه للمشاكل العامة، او السلبية الداعية للانسحاب والتراجع.

ان المفكر  المستقل هو الذي عاصر انتاجا جيدا من الكتابة وبالوسائل  المالية الخاصة والتحدث الى العامة،  وهذا ما أفسح المجال الى التخصص الأكاديمي وإنتاج الخبراء المتمرسين الذين يعملون في مختلف الوكالات الحكومية والجامعات ومراكز البحث او مستشارين في القطاع الخاص.

وبالنسبة لمفكري العامة نجدهم قليلون، ويمكن القول ان النخبة السياسية اليوم تنقسم الى عدة أنماط شديدة الاختلاف، ويمكن التمييز بينهم بالانتماء للمعهد الذي ينتمون اليه والطابع التنظيمي الذي يميز اتجاههم الفكري.

ان إضعاف مساحة الاهتمام بالحياة العامة تعني عدم الاهتمام بالحق في المواطنة والحياة الجماعية طبقًا لمضمون العقد الاجتماعي.

كما ان اهم الخبراء يتولوا مناصب عالية مثل مستشاري الامن القومي أو مستشارين اقتصاديين، بل وأفضلهم يطلق عليه اسم رجل دولة وهم الأكثر شهرة ضمن النخبة السياسية، ولهم قدر خاص لانهم عاصروا التجارب السياسية للمسؤولية السياسية وبخبرتهم الاكاديمية، وهذه الخاصية تميز السلطة الحديثة للمعرفة المتخصصة، عكس مستشاري الملوك لا تظهر خدماتهم الحكومية بشكل واضح، ويلتزمون بمنطقة محددة من السياسة، وفي الغالب يعطون المشورة وقد يكون لعملهم الأثر البعيد المدى سواء بتعمقهم النظري او بتدريبهم للطلاب المقبلين على ولوج المناصب الحكومية او نجدهم في مراكز الأبحاث المتمركزة في الجامعة .

بينما النوع الثالث من الخبراء فيقدمون معلومات ويقيمون برامج ويراقبون التجارب الاجتماعية  ومجال الأعمال والشركات التي تريد معرفة بالتغيرات والأحداث الدولية تفاديًا للأزمات و إلحاق الأضرار  بها، أو في السياسة الداخلية التي يمكن أن تؤثر في القطاع الخاص .

ومع تنامي المناظرات تم توسيع المناقشات و تسليط عليهم الاضواء مع التركيز على رؤيتهم كأساس للسلطة.

اما النخبة السياسية الجديدة فهي عبارة عن مقاولي السياسة حيث يقومون بتفسير السياسة العامة ومنهم من لهم ادعاءات قانونية بكونهم متخصصين سياسيين ويعملون على خلق الائتلاف بين مجموعات الباحثين والفاعلين السياسيين ويشجعون على  إصدار الجرائد الجديدة وقد يشتغلون موظفين للمؤسسات وكذلك في مجال الصحافة  السياسية.

هذه الأدوار المختلفة لهذه الأنواع من النخب تمكن من صنع السياسات العمومية الحديثة، فحل رجل الدولة محل المناضل  السياسي سابقًا ، وتم صياغة مفاهيم يتم من خلالها تحديد المشاكل الاجتماعية والبحث فيها.

كما ان المستشارين يقومون بمراقبة البرامج والسياسات وتقديم النصح للقطاع الخاص.

بينما خبراء الحكومة فيقومون بجمع المعلومات اللازمة التي تسهل عمل البيروقراطية الحديثة وتقديم تحليلات يومية يحتاجها مسؤولين حكوميين. ويفسرون أسباب أزمة السياسات العمومية ، كما يعملون كمقاولين يوجهون الأفراد نحو مجالات سياسية محددة، وينقلون معارفهم الى المجال السياسي ويخلقون ترابطا وخلطا بين القطاعين الخاص والعام.

وتجدر الإشارة الى ان الاستعانة بالخبراء الدوليين من اوربا  وآسيا في المجال الاقتصادي والمالي والبنكي كما هو الحال بالنسبة لدول الشرق الأوسط والانتقال من انتاج توجهه الدولة الى انتاج يقتصر على دور القطاع الخاص هو دليل على تغيير نظرة أغلب النخب لمكانة الفكر العام و بالتالي إضعاف المواطنة، فيتم استشارة علماء السياسة والمحامين الدستوريين حول قوانين الانتخابات والأحزاب السياسية وضمان الحقوق الفردية لاسيما مع وجود اخطاء انتخابية،  في حين الامر لا يتوقف على الجمع بين علم الاجتماع الحديث والثقافة السياسية في هذا المجال،  وإنما اعادة التفكير في أنواع النخب وطريقة التفكير لديها لرد الاعتبار للمصلحة العامة والشأن العام والمواطنة،  وتدخل الدولة لتوجيه الإنتاج لاسيما في فترات الأزمات كما هو الحال مع آثار  جائحة كورونا.

Exit mobile version