Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

النساء في الإعلام المغربي.. حضور خافت في “صناعة الخبر” رغم شعارات المناصفة

رغم التحولات الكبرى التي شهدها المشهد الإعلامي المغربي خلال العقدين الأخيرين، لا تزال المرأة في موقع الهامش، سواء كمنتجة للخبر أو كمصدر له، في معادلة غير متوازنة تؤكد أن المسافة بين الخطاب الرسمي حول المناصفة والممارسة الفعلية لا تزال واسعة، بل ومثيرة للقلق، وفق ما أظهرته بيانات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) في آخر تقاريرها حول تمثيل النساء في البرامج الإخبارية والمحتويات الإعلامية.

فحسب أرقام التقرير، لم تتجاوز نسبة الحضور النسائي في هذه البرامج 17.2%، مقابل 82.8% للرجال، وهي فجوة صارخة تكشف، ليس فقط عن ضعف مشاركة النساء في الفضاء الإعلامي العمومي، بل عن خلل بنيوي متجذر يُعيد إنتاج التفاوت بين الجنسين، رغم مرور أكثر من عشرين سنة على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية للمملكة.

والمقلق، وفق الهيئة، أن هذا الاختلال لم يعرف أي تحسن يُذكر منذ سنة 2010، إذ ظلت نسبة تدخلات النساء في البرامج الإخبارية لا تتجاوز 18%، ما يؤشر على نوع من الجمود المؤسساتي في ولوج النساء إلى مواقع التأثير والخطاب العمومي، سواء كمصادر للمعلومة أو كخبيرات وناشطات وفاعلات سياسيات.

وفي قراءة أكثر تفصيلاً، تكشف نتائج مشروع “من يصنع الخبر؟” (GMMP) عن أرقام لا تقل إثارة للانتباه: النساء لا يُستدعَين كمصادر إخبارية إلا بنسبة 22% في التلفزيون، و18% في الصحافة الإلكترونية، و16% في الورقية، و13% فقط في الإذاعة، التي تُعد تقليديًا وسيلة إعلام قريبة من الجمهور. بل الأخطر أن نسبة حضور النساء كمصادر في الأخبار السياسية والحكامة، التي تمثل نحو 30% من التغطية، لا تتجاوز 6%، مقابل نسب أعلى بقليل في المواضيع الثقافية والفنية، أي المجالات “الآمنة” التي لا تهدد الهيمنة الذكورية على الخطاب السياسي والإخباري.

من جهة أخرى، وعلى الرغم من تزايد عدد الصحافيات داخل غرف التحرير، إلا أن توزيع المهام التحريرية لا يزال يكرس الصور النمطية: فغالبًا ما تُكلّف النساء بإنجاز تقارير ذات طابع اجتماعي أو قانوني، خاصة تلك المرتبطة بحقوق المرأة، بينما يتولى الرجال تغطية مواضيع السياسة، الأمن، والاقتصاد. وهو توزيع غير مُعلن للعمل الصحافي، لكنه كافٍ لترسيخ انطباع بأن مواضيع “السلطة” لا تزال حكراً على الرجال.

ويتجلى التفاوت بشكل أكثر وضوحاً في البعد البصري للخبر. إذ تُظهر تحليلات الصور المرفقة بالمقالات الصحافية أن الرجال حضروا في 71% من الصور المنشورة عام 2025، مقابل 29% فقط للنساء، وأن 88% من الصور الفردية كانت لرجال، في تأكيد على أن وجه الرجل لا يزال يعتبر “الواجهة الطبيعية” للخبر. ولا تزال النساء غائبات عن التصوير في المواضيع المرتبطة بالرياضة، والعلاقات الدولية، والعِلم، والدين، فيما لم تُسجل أي هيمنة عددية لصورة النساء في أي مجال باستثناء قطاع الصحة.

أما على مستوى الأدوار، فتُختزل النساء غالبًا في صفات “الضحية”، أو “الشاهدة على تجربة شخصية”، أو “رمز لفئة اجتماعية”، بينما يحتكر الرجال صفات الخبير والمحلل والفاعل الرسمي. ويكفي أن نعلم أن الحالة العائلية تُذكر لدى النساء في 13% من الأخبار، مقابل 4% فقط للرجال، حتى نفهم أن النظرة التقليدية لدور المرأة لا تزال راسخة في الذهنية الإعلامية.

وفي خطوة تروم كسر هذا الجمود، أطلقت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري شريطًا تحسيسيًا تحت عنوان: “تمثيل النساء في الأخبار بالمغرب: رهانات مساواة مواطنة ودمج ديموقراطي”، بالتوازي مع تنظيم ورشة للتفكير شارك فيها فاعلون من مؤسسات دستورية، وممثلو وسائل الإعلام، وخبراء ومجتمع مدني. وشددت رئيسة الهيئة، لطيفة أخرباش، على أن ضمان تمثيل منصف للنساء في الإعلام، هو شرط ضروري لتكريس ديمقراطية شاملة تُدمج النساء في المجال العمومي كفاعلات لا كمجرد صور مكمّلة.

لكن، ورغم هذه المبادرات، تبقى المؤشرات الرقمية التي كشفت عنها الدراسة قاتمة، حيث خلُص تقرير GMMP إلى أن العالم لن يشهد توازنًا فعليًا بين النساء والرجال في الإعلام الإخباري قبل سنة 2087، إذا استمرت وتيرة التقدم كما هي عليه اليوم.

وإلى حين تحقيق ذلك، ستظل الصحافة المغربية مطالبة، أخلاقيًا ومهنيًا، بمراجعة آليات إنتاج الخبر وتمثيل النساء داخله، لا كموضوعات ثانوية أو ديكور ديموغرافي، بل كأصوات شريكة في صناعة المعنى والسردية العامة.

Exit mobile version