إدريس عدار
حكاية النملة والصرّار تتضمن بلاغة تدبير الندرة والتصرف بترف. تنطبق على الأفراد كما تنطبق على الجماعات والدول. والمشكل هو عندما تترف الدول بترف وهي لا تملك وفرة في كل ما تحتاجه. في هذه الحال يكون تصرف النملة أنجى وأسلم.
الأرقام التي تصدر يوميا عن مؤسسات عمومية لا يعيرها الناس اهتماما. ويغض عنها من لا مصلحة له فيها الطرف. رغم أنها أحيانا تكون جرس إنذار.
أرقام لحليمي ليست لعبة. المندوبية تعتمد معايير دقيقة. الرجل يقول في حوار مع “ميديا 24” إن 40 في المائة مما يستهلكه المغاربة يستوردونه من الخارج. يعني على مقربة من النصف. لا يمكن تحقيق السيادة الغذائية إلا بالقدرة على بإنتاج نسبة مهمة من المواد الاستهلاكية. وحتى ما تكون مضطرا لاستيراده ينبغي امتلاك مهارات إنتاجه تحسبا لأي طارئ.
بلد يستورد قرابة النصف من مواده الاستهلاكية مهدد في سيادته الغذائية. قد ينسى السياسي أحيانا أن السيادة الغذائية أم السيادات. قد تستغني عن بعض المواد الاستهلاكية، لكن أسس الغداء إذا انعدمت خرّ البناء.
قال المقرر الخاص للأمم المتحدة للحق في الغداء أوليفيه دي شوتر “لا اعتبار لكفاءة النظام الغذائي الحالي إلا من وجهة نظر تضخيم أرباح صناعة للمواد الغذائية… إن القضاء على الجوع في العالم هدف لا يمكن تحقيقه إلاّ عبر تغيير السّياسة الحالية وإعادة النظر فيها من جُذُورها، وتمكين صغار المزارعين من الوصول إلى الموارد الإنتاجية وإلى السوق…”.
ضرب السيادة الغذائية جزء كبير من رسم الخرائط في الجغرافية السياسية. فكثير من الحروب يتم شنها بغرض منع بلد ما من امتلاك اقتصاد الكفاية. “أن نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع” يعني الاستغناء عن العالم. ليس الاستغناء هنا طريق للعزلة ولكن طريق للعزة والسيادة. يعني يصبح الاستيراد ليس وسيلة لسد الرمق ولكن لاستكمال الإنتاج الوطني.
في واحدة من ضرب السيادة الغذائية اعتماد “الزراعة التصديرية” كمعيار لنجاح الفلاحة في المغرب. الفلاحة التصديرية مهمة في دعم الاقتصاد الوطني لكن أن تتم على حساب الزراعات الصغيرة يعني قتل “قفة” المغربي. توجيه الأنظار نحو الزراعة التصديرية كانت الغاية منه استعباد الفلاح الصغير لا تطوير إنتاجه وأرباحه. من يربح هو من يعرف “قوانين السوق الدولية”.
أي بلد لا يزاوج بين أنواع الزراعات الموجهة للتصدير والفلاحات الصغيرة التي تنتج ما يستهلكه المواطن في يومه مصيره أن يفقد سيادته الغذائية. ويتوالى الفقدان من خلال طبقات يحددها من يسعى إلى تدميره.
النملة هي القوة الوطنية المنتجة ورمز الادخار واقتصاد الكفاية، والصرّار هو القوة المترفة التي لا تعير الإنتاج الوطني أهمية وتقفز من موقع إلى آخر، لكن وقت الشدة لن ينفع البلد سوى تلك النملة التي تدير اقتصاد الندرة في وقت يتغنى الصرّار بوفرة الصيف.
النملة والصرّار ومعزوفة “السيادة الغذائية”
