أوقفت مصالح الأمن أمس الثلاثاء بمدينة سلا ستة أشخاص من بينهم أربعة من ذوي السوابق في قضايا الإرهاب، كانوا يستغلون حوادث السير الوهمية قصد استخلاص مبالغ مالية من شركات التأمين لتمويل عملياتهم الإرهابية التي كانت متوقعة. ما قاموا به يسمى في الأدبيات “الإسلامية” “استحلالا”. لا يختلف الإسلاميون، من الإرهابيين والجهاديين حاملي السلاح، إلى لابسي الجينز وحالقي اللحى، على كون “استحلال” ممتلكات الغير هو مبدأ فقهي، لكن يتخذ عناوين كثيرة ومختلفة وفق المكان والزمن ووفق النمط الذي يتبناه كل واحد منهم.
“الاستحلال والفيء” قاعدة كانت في القديم تؤطر فقه الحرب، وبما أن الإسلاميين، الرافضين للدولة والقابلين بها، المحرمين للمشاركة السياسية أو المندمجين فيها، ينظرون فقهيا إلى المجتمع على أنه فئتين، “هم” و”الغير”، ورغم محاولات التغطية على هذا التقسيم فإن ألسنتهم تخونهم بل ما يكشفه المنشقون عنهم يوضح أنهم يقسمون العالم إلى فئتين، حتى في خطابهم الداخلي يتحدثون عن “المسلمين” أي هم، وقصة نحن جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين هي محاولة للهروب من النفق.
ليس الجهاديون من الإسلاميين من يؤمنون بالاستحلال والفيء ولكنه قاعدة عامة تأخذ عناوين مختلفة، وقد عُرفت هذه القضية لدى جماعة الإخوان المسلمين بشكل كبير، ولما تقوت الجماعة لم تعد تمارس في الدروب الخلفية وسرقة الأبناك ولكن أصبحت تتم عن طريق عمليات التزوير الكبيرة مثل قضية “خيرت الشاطر” المعروفة وقضايا الأبناك الإسلامية، التي تعتبر أكبر عملية احتيال في التاريخ المعاصر، وحتى بعد تأسيس حزب الحرية والعدالة، الذي ترأسه محمد مرسي، الرئيس المصري السابق، استمرت عمليات الاستحلال والفيء بطرق كثيرة.
الاشتراك في عملية الاستحلال والفيء لا يختلف عليها إسلاميان، لكن يختلفان في الكيف والمتى؟ الإسلاميون لا يسرقون المال الخاص، ومن قام بذلك قد يكون عقابه عسيرا، ولهذا لم يثبت مثلا أن قام واحدا من العدالة والتنمية من السطو على مال الحزب، الذي يتم صرفه بدقة متناهية، لكن كثيرا من أبناء الحزب الإسلامي تورطوا في نهب المال وتمت متابعة عدد منهم.
ليس لهذا الأمر من تفسير سوى استحلال ممتلكات الغير. هذا الغير قد يكون أشخاصا وقد يكون مؤسسات. هذا الغير قد يكون مؤسسة عمومية وقد يكون مجلسا جماعيا، والتقارير والمتابعات في هذا الشأن كثيرة ومعروفة، ومن حقنا أن نفسرها كما نشاء لكن واقعيتها ليست محلا للنقاش فهي متوفرة في ملفات أمام المحكمة أو محكومة وفي ملفات المجلس الأعلى للحسابات. عدم مس المال الحزبي الخاص والتعدي على المال العام هو معنى من معاني “الفيء والاستحلال”. فلصوص المال العام هم لصوص لكن لصوص الإسلاميين يتورعون في التصرف في درهم واحد من ميزانية الحزب والحركة والجمعية والجميعة والخلية، لكن عندما يتعلق بمال الغير فهو مستحل، وله أوجه متعددة مثل محاولة “رفاق” بلعيرج ومنهم “إسلاميون تقدميون” سرقة بنك لتمويل الثورة.
هؤلاء الذين ينتمون للخلايا الإرهابية أو الذئاب المنفردة، ليسوا منعزلين عن الجو العام والمزاج الجماعي للخطاب الإسلامي مهما تنوعت مصادره.
الوجه الخشن والناعم لـ”الفيء والاستحلال”
