Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

بدون انفعال ثمّ لا نامت أعيُنُ الجبناء

محمد فارس
أوّلاً أرجو من القارئ الكريم أن يتَحمّلني وأنا أمارس حرّيتي في الكتابة والتّعبير عمّا يختلج في صدري، وهي حرّية يضمنُها لي جلالة الملك نصره الله، ولا فضْل لأحد عليّ فيها ولا أحد وهبني إيّاها بعْد الله عزّ وجل وظِلُّه في الأرض سدَّد الله خطاه وأبقاه ذُخْرًا وملاذًا لهذا الشّعب المسلم الكريم المتشبّث بأهداب العرش المجيد.. سوف يقرأُ القارئ كلامًا قد لا يكون سمعَه من قبْل وهو يتضمّن حقائقَ تاريخية قد تصدم أكثر مما قد تسرّ فمعذرة! وهذه الحقائق لا توجد في (النِّت) وفي مَزْبلة المواقع، ولكنّها تُستخرج من بطون الكتب التي أُهمِلت في الرّفوف وعلاها البَلْيُ وغشّاها غبارُ الزّمَن، ولكنْ هذه هي حالُ أمّة [اِقْرأْ] التي لا تقْرأ، وإنْ قرأتْ لا تَفهم، وإن فَهِمت جاء فَهْمُها متأخّرِا وتلْكُمْ مُصيبتُها..
يقول الدكتور [زكريا إبراهيم] في كتابه [مشكلة الفلسفة] الصفحة (233): [لو أنّنا عمدْنا إلى مقارنة الحياة في البلاد الدّيموقراطية بنظيرتها في البلاد الفاشية، لتحقّقْنا من الفارق بيْنهما ليس فارقًا في المستوى العِلمي أو الاقتصادي أو الآلي أو الفنّي أو التّربوي، وإنّما هو فارقٌ جوهريٌ في الأفكار والمثُل العليا والأهداف التي يُدين لها كلٌّ منهما بالولاء.].. [زكريا إبراهيم] يعني الدّيكتاتوريات العَملية، ولا يعني مثلاً ديكتاتورية [موبوتو سيسيكو] الذي نهبَ خيرات [الزّايير] أو ديكتاتورية [عَايْدي أَمين] الـمُلقّب بِجزّار [أوغاندا]، ولكنّه يعني الدّيكتاتوريات التي كانت ندّا للدّول الدّيمقراطية في شتّى مجالات الحياة، وكانت تحاسِبُ الوزراء والولاة والجنيرالات إنْ أخطؤُوا في اتخاذ القرارات الصّائبة، قد يسألُني القارئ الكريم قائلاً: [وهلْ لكَ دليلٌ أو مثالٌ يؤكّد ذلك؟]، الجواب: نعم، وبكلّ تأكيد..
حدث أنِ اشتكى الوزراءُ إلى وزير المالية [غينسبورج] من هزالة رواتبهم، وطالبوا بالزّيادة، فاستشار الوزيرُ [ستالين] في الأمر، فأمر بمضاعفة رواتب الوزراء أربع مرّات على أن يجتهدوا في خدمة البلاد مقابل ما يتقاضونه من خزينة الدّولة؛ وذات يوم، أكل [ستالين] موزةً غير طازجة، فاستدعى إلى مكتبه وزيرَ التّجارة، وقال له: أهذا هو الموز الذي يأكله الشّعب ويدفع ثمنَه في السّوق؟ وكان [ستالين] غاضبًا جدّا، وعجز الوزيرُ عن الجواب؛ فقال له [ستالين]: [غيِّبْ وجْهكَ عنّي، واذهبْ إلى بيتِك، فأنت معزول ولستَ في مستوى المسؤولية] ثمّ أمرَ بسجن كلّ تجار الفواكه والخضروات الذين يبْتاعون المواطنين سلعةً مغشوشة في غياب المراقبة الصّارمة؛ وأنا أقول له: [براڤُو] يا رفيق [ستالين!].. وذات يوم دخل إلى مكتبه الجنيرال [رُوكُوسوڤسْكي] ليعرضَ عليه خطّةً رسمها، فبدأ [ستالين] يستفسره ويطلب إيضاحات، فلم يتمكّنِ الجنيرالُ من إقناعه، فقال [ستالين] بهدوء ممزوج بغضب صامت: [لو كنتَ قد درستَ خطّتكَ، لأقْنعْتَنا]، فرمى بالملف على وجه [روكوسوڤسكي] وقال له: [عُدْ إلى مكتبكَ وادرُسْ خُطّتكَ جيّدًا ودَعْكَ من هذه الارتجالية].. حدثَ هذا في ديكتاتورية عَملية، فهل يحدث مثلُه في بلادنا؟ هل سَمعْت بوزير يُساءَل عن قراراته العشوائية الخاطئة؟ كلاّ، أبدًا لم يحدثْ يومًا!
الوزراء في بلادنا لا يُساءلون، ولا يحاكمون، وكلّ وزارة صارت مِلكيةً خاصّةً للوزير الذي يتحكّم فيها؛ وكلّ الوزارات عبارة عن جزر متباعدة في محيط شاسع.. وكلّ رئيس حكومة يفعل ما يشاء.. لقد رأيت [بنكيران] يقاضي المعطّلين للتملّص من وعدِه لهم، ورأيتَه يريد أن يجعل التعليمَ مدفوعَ الثّمن لولا التّدخل الحاسم لجلالة الملك؛ رأيتَه يَخصم الثّلث من تعويضات المتقاعدين، وسمعتَه يصرّحُ بأنّه غير محتاجٍ إلى رضا الملك، وإذا سألتَه عمّا كان يقوله في الانتخابات واستعماله للدّين لخداع المؤمنين، أجابَكَ بجواب الإخوان بأنّ الدّينَ يُستعمَل لجمْع هذه القطعان كما قال سيّدُهم [قُطْب].. والآن، بادت حكومة المتمسّحين بالدّين، وسادتْ حكومة التجار وعبدَة المال وكانت في وعودها أكذَب من وعود حكومة الإخوان، وقد رأيتَ كيف نكّلتْ بالشّعب المسالِم، ونشّطت الثّالوث الرّهيب الذي مسَّ صحّة المواطنين فأقرت التّلقيح الإجباري، وألهبت الأسعار، ومسّت أقوات المغاربة، وإذا كانت حكومة الإخوان قد أقرّت التّوظيف بالعُقدة في مجال التعليم، فإن حكومة التّجار قد منعت الشّباب الذين تفوق أعمارُهم (30) سنة من خوض غمار مباريات التّربية والتعليم، وأحدثَت غضبًا عارمًا، واستياءً عميقًا في البلاد التي تحتاج إلى سِلم اجتماعي، ودعْمٍ للجبهة الداخلية، ونحن نعيش تحدّيات، ونواجه مخاطر، ومؤامرات، وشَنْشنات خصوم في الداخل والخارج، أفلا يستحقّ هؤلاء الوزراء مساءلةً صارمة، ومحاكمةً عادلةً، وحرمانًا من كلّ الامتيازات والحيازات وهم يذكّروننا بسياستهم بفترة الحماية البغيضة؟!

Exit mobile version