محمد عفري
كما هناك تجار الحروب وتجار الانتخابات، خرج إلينا نوع آخر من التجار، يبيع ويشتري في صحة أبدان المواطنين، ومنهم نوع آخر أطل علينا مع جائحة كورونا، يصطلح عليه تجار الوباء أو الأوبئة بصفة عامة يبيع و يشتري في جوازات اللقاح.
الأخبار والوقائع التي أطلت علينا من ابتدائية الجديدة في إطار مقاضاة شبكة اخترقت الأنظمة الخاصة لوزارة الصحة، للحصول على جوازات تلقيح صحيحة من دون أن يخضعوا لأي تلقيح على أرض الواقع، يؤكد لنا فعلا أن هناك تجارا للأوبئة يعيشون بيننا بلا استحياء ، ولا قطمير من ضمير ولا خوف من العواقب.
التاجر في الوباء في هذه النازلة، عون سلطة من درجة دنيا لا تتعدى درجة “مقدم”. أما المستفيدون فطبيعة هوياتهم تزيد من فظاعة الجريمة. متشددون في الدين، بمعنى رافضون للتلقيح جملة وتفصيلا، ومدان سابق بالإرهاب.
فعل ” المقدم” ما شاء من بيع و شراء في الجوازات حين تسلم رشاو، ورشا المستفيدون المقدم رشوة تراوحت قيمتها حسب النوع المطلوب من اللقاح. المقدم تلقى مبالغ من ألفي درهم عن كل جواز صحي للقاح من نوع فايزر وألف وخمسمائة درهم عن كل جواز لقاح من اللقاحات المعترف بها في أوروبا فيما تلقى ثمنا أبخس عن كل جوازللقاح الصيني، لا يتعدى ألف درهم.
إذا لم يدرك هذا العون مخاطر تسليم شهادات صحية مزورة على صحة المواطنين، بتعريض صحة مجتمع بالكامل للعدوى، فإنه ضرب كل المجهودات التي بذلتها الدولة من أجل مكافحة وباء كورونا وضمان حياة سليمة منه، عرض الحائط وعلى رأسها المجودات الجبارة التي قام بها جلالة الملك، بضمان القدر الكافي من التلقيحات للشعب و بالمجان وتسريع وثيرة الحملة الوطنية للتلقيح، والأكثر من ذلك عقد شراكات قوية مع الدول المصنعة للتلقيح، وفي مقدمتها الصين من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من التلقيحات وتجاوز ذلك إلى تصديرها في إطار تعزيز الصناعة الدوائية المغربية التي تعززت بمصانع متخصصة. كل هذه القيمة المكتسبة للقاح الصيني وطنيا ودوليا، استصغرها عون السلطة، في ملحمته التجارية ليختزلها في ثمن بخس مقابل أثمان باقي جوازات اللقاحات
ليست المرة الأولى التي تم فيها ضبط تجار من هذا القبيل وفي هذه “التجارة” بالمغرب.الصيف الأخير، وحين عاش المغرب انفراجا في الأزمة الوبائية بارتفاع عدد الملقحين واستقرار معدل الإصابة بالوباء ونزول معدل الفتك إلى الصفر، وعادت الحياة إلى جوها شبه العادي مع عودة مغاربة العالم إلى أرض الوطن، نشط تجار الأوبئة ضمنهم أطباء وممرضون و غيرهم، خصوصا في المدن التي بها جالية مغربية بالخارج، وكالمعتاد كانت لهم المصالح الأمنية و القضاء بالمرصاد.
لاشك أن جريمة التجارة في جوازات اللقاحات التي قضت فيها الإثنين الأخير ابتدائية الجديدة لا تطوي في عدد مقترفيها على عون السلطة فقط، إذ لابد من أن يكون له من متعاونين ومتسترين في القطاع الذي يشتغل فيه.ولا شك أنها لا تختلف عن جريمة الطبيب و المصحة التي تطلب إلى المريض شيكا وتفرض عليه ملأه بعبارة ” لحامله” من أجل التهرب الضريبي.
“المقدم” الذي يزاول مهامه بـ”البير الجديد”،كان يتوفر على القن السري ويخترق الأنظمة المعلوماتية الخاصة بالعملية التي تتابعها وزارة الصحة ويسجل البيانات داخلها ما يمكن المستفيد من الحصول على جواز التلقيح عبر البوابة الإلكترونية للوزارة، وهو الجواز الذي يتم استعماله عند الطلب في ولوج الفضاءات العمومية و الإدارات وكذا السفر بسهولة. هي خيانة الأمانة طبعا، لكن أين المسؤول عن النظام المعلوماتي التابع للداخلية، أين الطبيب، أين المساعدون من الممرضين وغيرهم.. أين الضمير
تجّار” الأوبئة
