Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

تحالف برلماني جديد بين المغرب وغرب إفريقيا.. بوصلة سياسية واقتصادية تتجه نحو الأطلسي

يشكّل الإعلان عن تأسيس تكتل برلماني جديد بين المغرب وموريتانيا والسنغال وغامبيا، أول أمس في العاصمة السنغالية دكار، خطوة استراتيجية تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية متعددة، وتكشف عن تحول تدريجي في الرؤية المغربية نحو فضاءات إقليمية بديلة، أكثر مرونة وتفاعلاً من اتحاد المغرب العربي المتعثر.

ففي حفل اختتام الدورة العادية للجمعية الوطنية السنغالية، ووسط تغطية إعلامية وازنة، أُعلن عن تأسيس هذا التكتل التشريعي الرباعي، الذي وُصف بـ”النقلة النوعية” في التعاون الإقليمي، خصوصاً وأنه يجمع برلمانات بلدان ترتبط تاريخياً ومصلحياً بمجال مشترك قائم على الأمن، والتنمية، وحسن الجوار، وتحديات التغير المناخي.

بين المغرب العربي وغرب إفريقيا

المتابعون يعتبرون هذا التحالف ترجمة لخيار مغربي متدرج، يتجه إلى بناء شراكات جنوب-جنوبية فعالة، في ظل الجمود الذي أصاب اتحاد المغرب العربي، نتيجة الخلافات المستفحلة بين الرباط والجزائر، على خلفية قضية الصحراء.

ويبدو لافتاً أن السنغال وغامبيا، المعروفتيْن بدعمهما الصريح لمغربية الصحراء، من بين أوائل المنضمين لهذا التكتل، ما يضفي على المبادرة بُعداً سياسياً لا يقل أهمية عن بعدها البرلماني. أما انضمام موريتانيا، التي تبنّت موقف “الحياد الإيجابي” في ملف الصحراء، فيعيد النقاش حول إمكانية تحوّل تموضعها الجيوسياسي في اتجاه الرباط، على ضوء ما تشهده المنطقة من إعادة رسم للخرائط الاستراتيجية.

تحالف تشريعي برؤية جيوسياسية

التكتل الجديد يتجاوز بعده البرلماني، فهو يأتي امتداداً لرؤية مغربية أشمل تُراكم منذ سنوات في اتجاه خلق توازن جديد غرب القارة. فقد سبق للرباط أن طلبت الانضمام إلى مجموعة “إيكواس” سنة 2017، قبل أن تتعرض هذه الأخيرة لهزات كبرى مؤخراً، بخروج مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشكيل “تحالف الساحل”، ما فتح المجال أمام البحث عن بدائل جديدة أكثر تماسكاً واستقراراً.

هذا الاتجاه يتقاطع مع مبادرة “الدول الإفريقية الأطلسية” التي أطلقها الملك محمد السادس، بهدف تحويل الساحل الأطلسي إلى فضاء موحد للتنمية والاستثمار والتعاون، بعيدًا عن التجاذبات الأيديولوجية أو التجارب غير المكتملة.

الغاز… والعمق الاستراتيجي

لا يمكن فصل هذا التحالف عن مشروع خط أنابيب الغاز المغربي – النيجيري، الذي يمر عبر الدول الأربع المكونة لهذا التكتل، ما يمنح التحالف بُعدًا طاقيًا واستراتيجياً، ويجعله إطارًا لتنسيق السياسات وتكامل البنى التحتية العابرة للحدود.

فمع شروع السنغال وموريتانيا في استغلال حقل “غراند تورتو – أحميم”، ابتداءً من نهاية 2024، وانطلاق المرحلة الأولى من مشروع الأنبوب على أراضيهما، يصبح الربط الطاقي بين المغرب وغرب إفريقيا واقعًا جيو-اقتصادياً قيد التشكل، مدعوماً بإرادة سياسية وتنسيق مؤسساتي.

المغرب في قلب التوازنات الإفريقية

يبدو أن المغرب بات يتحرك بهدوء نحو خلق فضائه الإقليمي الخاص، بعقيدة قائمة على المصالح المشتركة والشراكة متعددة الأبعاد. ورغم تمسكه الرسمي بمشروع اتحاد المغرب العربي، إلا أن الرباط – واقعياً – شرعت في بناء بدائل أكثر نجاعة وفاعلية، مدفوعة بتعقيدات الواقع المغاربي، ومنطق التطورات الجيوسياسية العالمية.

إن التكتل البرلماني الجديد ليس فقط منصة لتبادل الخبرات التشريعية، بل هو مؤشر على ميلاد هندسة جديدة للتعاون جنوب-جنوب، تضع المغرب في موقع مركزي، مستفيداً من وزنه القاري، وحضوره في الملفات الكبرى من الطاقة إلى الأمن، ومن التنمية إلى تكامل الأسواق.

ومع انفتاح الباب أمام دول أخرى للالتحاق بالمبادرة، قد نكون أمام نواة تكتل سياسي واقتصادي بديل، يعيد رسم خرائط التأثير في غرب القارة، ويمنح الجنوب الأطلسي صوتاً جديداً أكثر انسجاماً وتكافؤاً في معادلات التنمية والأمن والمصالح.

Exit mobile version