Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

“تقرير الحالة الدينية بالمغرب”… تشخيص موضوعي أم بروباغندا للاستحمار؟

إدريس عدار

ما زالت العلوم الاجتماعية “حائرة” أمام سؤال الموضوعية. تتسرب الذات المُشخصة إلى الموضوع كانسياب الماء وسط الصخر. بوعي وبغير وعي تهيمن الذات وتنتفخ حتى تطغى على الموضوع. لكن الخطورة تكمن في التلبيس الذي يتم باسم الموضوعية وهو واع بطريق التضليل الذي يمارسه على المتلقي. وأكثر من ذلك يكون هو الذات المشخصة وجزء من الموضوع التي يتم تشخيصه.

ينطبق هذا على التقرير الذي اعتاد المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة إصداره كل سنتين تحت عنوان “الحالة الدينية في المغرب” ويغطي في طبعته الحالية “2018 و2019”.

إذا تعاطى أي باحث مع هذا التقرير سيرى أمامه بحثا صادرا عن مركز يُشخص الحالة الدينية في المغرب لمدة سنتين، وبالتالي سيكون مصدرا لمجموعة من المعطيات، التي يوفرها بغض النظر عن مواقفه. غير أن المركز المذكور لم يكن في أصله مصدرا بحثيا. فهو أداة وظيفية في يد حركة التوحيد والإصلاح. سيستشكل علينا البعض بالقول إنه من حق أبناء الحركة ممارسة البحث. طبعا لا يحق لأحد الحجر على أحد في مجال البحث العلمي. لكن سنبين بأن التقرير ليس تقريرا علميا ولكنه بروباغندا لاستحمار المتلقي.

المركز أسسه مصطفى الخلفي قبل أن يصبح وزيرا. ومن حسنات الوزير السابق أنه فضح توجه المركز عندما نظم ندوة استقدم إليها “الصويان” أحد أبرز وجوه “الوهابية السرورية”، الذي يدير مجلة البيان من لندن ويدير عشرات المشاريع بإفريقيا وغيرها المحسوبة على التيار المذكور. هذا الرجل من شدة قوته وتأثيره في أبناء الحركة حضر اجتماعا خاصا للمكتب التنفيذي للتوحيد والإصلاح، وهذا لا يحدث إلا عندما يكون الحاضر ذو شأن عظيم بالنسبة للتيار.

ففي فقرة رموز ودعاة نقرأ وصفا لأحد قادة التوحيد والإصلاح لم ينله غيره ممن تحدث عنهم التقرير بمن فيهم يوسف القرضاوي، الذي اكتفى بوصفه “أحد رموز الحركات الإسلامية عبر العالم”، لكن عند الحديث عن أحمد الريسوني، الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، فنقرأ عنه “أما أحمد الريسوني فقد حل رابعا وهو دكتور وعالم مغربي متخصص في المقاصد ورئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، يقتسم نفس المرجعية الفكرية مع يوسف القرضاوي وهو في الوقت نفسه أحد الرموز العلمية والدعوية  وأحد قيادات التوحيد والإصلاح، معروف بمواقفه الجريئة التي توصف بالتقدمية حيال القضايا التي تعتبر مثار خلاف فقهي مثل الحريات والتنصير والإفطار العلني”.

نحن أمام توصيف للرفع من قيمة الرجل، وذلك من أجل المنفعة المتبادلة، حيث يرد الجميل جميلين عندما يقوم هو أيضا بمدحهم أو عندما يصدر عنه موقف خدمة لأغراضهم. فالحديث عن “عالمية” الريسوني فيها نظر حيث لم يمنحه هذا اللقب سوى الإعلام، الذي حوّله إلى عالم، تم عالم مقاصدي، فلا أحد من العلماء المعتبرين يعتبره كذلك ناهيك عن أن يكون مقاصديا، وهي صفة إعلامية أطلقتها عليه في البداية وسائل الدعاية الإخوانية وقنواتها قبل أن يتلقفها باقي الإعلاميين بمن فيهم بعض اليساريين دون تمحيص، وواقع الأمر أن الرجل ليس له اجتهاد واحد مقاصدي، وسبق أن بينت أنه يتبنى رؤية أصولية يجتر من خلالها أيضا ما قاله القدماء.

والمقاصدية هنا ما يخدم توجهات الحركة السياسية، فهي وسيلة غير مكلفة على مستوى الضريبة، وهي تعني التمكين بأقل التضحيات، وهو ما حصل فعلا لحزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة عشر سنوات رغم أنه لم يكن لا في عير ولا نفير النضال الديمقراطي. دائما يبقى السؤال مطروح: هل يوجد في هذه الحركة عالم؟

والمضحك حديثهم عن التقدمية. هذا المفهوم كان يتداوله اليسار ولم يكن أبدا من إنشاءاتهم السابقة والمنقولة أساسا، وهي وسيلة في التدليس خطيرة، أن تتحول جماعة موسومة بالرجعية إلى الحديث عن التقدمية، وهذه من سرقاتهم مثلما فعل محمد الحمداوي، الرئيس السابق للحركة، مع مفهوم “الرسالية”، التي كانت تعتبر عندهم نوعا من “الباطنية” التي هي مكفّرة عندهم. لكن بعد أن مر الزمن جعلها عنوانا لكتابه وأصبحت من خصائص حركته. عندما كانت تُذكر في السابق كانت ترتعد فرائص القوم. الحركة جزء من “لصوص النصوص”، حيث سطت على تراث غيرها بل حتى على تراث من كانت تكفرهم. الريسوني تبنى جميع النزاعات التي تقودها الحركات الإرهابية. فهل من المقاصدية في شيء دعم الإرهابيين؟

وحتى لا يتم رمينا بالتجني على المركز، ها هو مثال حي على أن التقرير هدفه الأساسي تلميع صورة الحركة وسط كم من السرديات المنقولة برمتها. في الصفحة 103 وعند الحديث عن العلماء والقضايا الوطنية تم تقديم حسن الموس بصفته عالما، لكن في الصفحة 108 يصبح قياديا في حركة التوحيد والإصلاح. بعد أن تبلع طعم “العالم” تشرب كأس ماء “القيادي في الحركة”.

هناك محاولة لتبييض تاريخ غير ناصع أو ملطخ. في الصفحة السادسة نقرأ من تقديم امحمد الهيلالي، رئيس المركز والقيادي في التوحيد والإصلاح، “عندما أصبح التحدي الأساسي يتجسد في الصحوة الإسلامية وفي نموذج التدين الحركي الذي أنتجته وأنتجت معه منظورا للدين بأبعاد تحررية بفاعلية اجتماعية واقتصادية…”.

نقف هنا على توصيف غير دقيق، وسرقة لمفهوم التحرر الذي لم يكن في حسبان أبناء الحركة وقادتها، خصوصا حركة التوحيد والإصلاح والحركات التي سبقتها وكانت أساسا في تكوينها، وهي حركة تبنت “الوهابية السرورية” منهجا في العقيدة والفكر والفقه. السرورية نسبة إلى زين العابدين سرور، الذي جمع بين التنظيم الإخواني والمدرسة الوهابية. هل يمكن لهذا المزيج أن يكون تحرريا؟ كانت الحركة حينها تكفر كل الحركات التحررية بمن فيها تلك التي تنطلق من منطلقات دينية مختلفة.

التقرير محاولة لإظهار الحركة على أنها معتدلة، وهي كذلك في السياسات التي تمنحها فرصة للتمكين، لكن في المواقع الاجتماعية والعقائدية فهي متطرفة بدليل توصيفها للآخرين، توصيفا يصل حد التحريض ضد المخالفين. والاعتدال هو برسم الخوف لا أقل ولا أكثر، ولو استطاعت إلى غيره سبيلا لفعلت. فمن يؤمن بالتغيير السلمي يؤمن به في كل المواقع.

المركز أداة وظيفية لدى الحركة مثل الحزب والجمعيات والمنظمات وحتى الحكومة نفسها. قادة المركز ومؤسسوه والمشتغلون به هم أبناء الحركة. من حقهم ذلك لكن الموضوعية تقتضي الإفصاح عن هذه التفصيلة. لماذا اختارت الحركة تقريرا دينيا بدل أن يكون سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا؟ هناك رسالة عميقة لهذا الأمر: أن تخرج من غير محاسبة. حركة دينية هي نفسها تتبنى تشخيص المشهد الديني. وهنا التناقض. كيف لمن ينبغي أن يكون مرصودا أن يصبح راصدا؟ التوحيد والإصلاح هي طرف في الدعوة الدينية وحتى لا نحاسبها عما أنتجت خلال هذه السنوات تتحول هي نفسها إلى راصد يقوم بالتشخيص.

ليس في محتوى التقرير ما تجدر دراسته، ولهذا رمنا مناقشته من حيث الشكل لأنه أساسي هنا، وحاولت فقط تقديم نماذج من التدليسات التي يقوم بها أبناء الحركة قصد استحمار القارئ، خصوصا ممن لا يعرفون تاريخا لم يكن هؤلاء من صنّاعه بل سعوا إلى ذلك من باب الخسة والدناءة، التي تجسدها بقورة رسالة عبد الإله بنكيران إلى إدريس البصري الشهيرة، ويرومون اليوم تقديم تاريخ مزور لقارئ شاب يوم وعى رأى بنكيران يرفع قبضة يديه في مواجهة الجميع وهي شجاعة مصطنعة لكن كيف يفهمها من جاء إلى الدنيا بعد أن تم التمكين للقوم.

 

 

 

Exit mobile version