سجل المجلس الأعلى للتربية والتكوين في تقريره لسنة 2023، وجود تأخر وتعثر في إصلاح التعليم بالمغرب، وهو ما يجعل أن الجيل الأول الذي سيتفيد من إعمال الإصلاح منذ التعليم الأولي لن يكون إلا بعد سنة 2030، وقال المجلس إن إعمال الإصلاح المنشود لقطاع التعليم عرف خلال العقدين الأخيرين مراكمة التأخير في الانطلاق أو “الإعمال”، بالرغم من الجهود الكبيرة التي تم بذلها، وهذا التأخر حمل في حد ذاته أخطارا على دور منظومة التربية والتكوين في الارتقاء بالأفراد والتنمية المجتمعية.
ونبه إلى أن هذا التأخر أسهم في ضعف قدرة المنظومة على الصمود أثناء الأزمات، وتعمق ذلك من جراء الأحداث التي كان لها عميق الأثر على التعلمات بسبب جائحة كوفيد، وقد يزداد تعميقا بعد الزلزال الذي ضرب جهة الحوز، ثم مع توقف الدراسة خلال ثلاثة شهور في سياق إضرابات هيأة التدريس.
وتوقف التقرير على ما يواجه حكامة الإصلاح من عقبات، فاللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتنظيمها وكيفية سيرها، وبالرغم من كونها أهم آلية من آليات الحكامة التي جاء بها القانون الإطار تحصينا واستدامة للإصلاح، بغض النظر عن الأزمنة الحكومية، فقد توقفت اجتماعات هذه اللجنة مع نهاية ولاية الحكومة السابقة.
و انتقد التقرير غياب الاشتغال بالتراكم، الذي ينبغي أن يتم بغض النظر عن التوجهات السياسية للمسؤولين عن تدبير القطاعات التربوية، كما انتقد التقرير التأخر في إصدار العديد من النصوص التي تعتبر مستلزمات ضرورية لإعمال الإصلاح، مع الإشارة إلى غياب التصور الشمولي والمقاربة النسقية في مشاريع النصوص القانونية والتنظيمية، الأمر الذي استدعى التوصية بمراجعات جوهرية لتلك النصوص ومراعاة تراتبية المعايير» و «التقائية السياسات العمومية».
وأبرز المجلس أن سؤال الجودة في التعليم يرتبط أساسا بإصلاح المناهج والبرامج، لكن هذا الأخير يعرف أوجه قصور مرتبطة أساسا بغياب صورة واضحة المعالم بخصوص النموذج البيداغوجي الجديد في كليته وشموليته، مسجلا التأخر في إرساء وإطلاق أشغال اللجنة الدائمة لتجديد المناهج والبرامج والتكوينات، التي تضطلع بمهام تأطيرية ومهيكلة، إضافة إلى التعثر الذي يعيق دمج التعليم الأولي في التعليم الابتدائي، ليشكلا معا سلك التعليم الابتدائي.
وحسب ذات المصدر، فقد أدى تأخر إرساء لجنة مراجعة المناهج والبرامج إلى التأخر في وضع الإطار المرجعي للمناهج والبرامج، وإعداد الدلائل المرجعية المرتبطة بها، واعتماد نظام التقييم والاعتماد والمصادقة على الكتب المدرسية، ووضع الإطار المرجعي للوظائف والكفايات.
ويتمثل أبرز أثر متوقع، في كون الجيل الأول الذي سيستفيد من إعمال الإصلاح منذ التعليم الأولي، قد يمتد لما بعد سنة 2030، بالنظر للمسار الطويل الذي يتبعه إصلاح المناهج وتوفير مستلزمات إعمالها، خاصة منها ما يتعلق بتكوين المدرسين والمكونين، علما بأن موضوع المستلزمات يعتبر من أبرز ما يحد من الأثر المطلوب لتفعيل الإصلاحات.
وأضاف التقرير أنه ينشأ عن عدم احترام الآجال بالضرورة، آثار مؤسساتية وقانونية وتربوية واجتماعية بحسب طبيعة المشاريع المعنية، الأمر الذي قد يحدث اضطرابا في السير العادي للمنظومة، ويخلق إحساساً بعدم الثقة بالإصلاحات في أوساط المهنيين والمجتمع، حتى ولو كانت مؤطرة بقانون ملزم.
وأوصى المجلس باتخاذ مبادرات تضفي ديناميكية جديدة على الإصلاح، تعزز المكتسبات وتجدد التفكير في كيفية معالجة التحديات، وذلك بإشراك كافة الفاعلين، وبروح من التعبئة التي تطال المجتمع بأسره.
ودعا إلى إحياء اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي تقوم بمواكبة وتتبع إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المنصوص عليها في القانون الإطار، وتلك التي يستلزمها التطبيق الكامل لمقتضياته، إلى جانب اقتراح كل تدبير من شأنه ضمان التقائية السياسات والبرامج القطاعية في مجال التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، ودراسة مطابقة هذه السياسات والبرامج للاختيارات الاستراتيجية لإصلاح المنظومة، فضلا عن تتبع تنفيذ الأهداف المنصوص.
و نبه التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين لسنة 2022 إلى النقص الكبير في ربط المؤسسات التعليمية بشبكة الصرف الصحي، وهو ما له تأثير على التلاميذ، خاصة الفتيات، حيث يرفع هذا الوضع نسب التغيب، ويزيد من احتمال التعرض للعنف بسبب اللجوء إلى الأماكن معزولة.
وسجل التقرير أن نسبة الربط بشبكة الصرف الصحي في المؤسسات الابتدائية لا تتجاوز 35,4%، ما يعني أن ثلثي الابتدائيات بدون صرف صحي، في حين تبلغ نسبة الربط في الثانويات الإعدادية 50,6% وفي الثانويات 59.3%.
وأكد المجلس الأعلى أن غياب المرافق الصحية في ثلثي المدارس الابتدائية وأكثر من نصف المؤسسات الإعدادية والثانوية، يشكل إشكالا حقيقيا من حيث وقعه على المتعلمين بشكل عام، وبصفة خاصة على الفتيات، وتتجلى عموما في التأثير على الصحة بانتشار الأمراض، و التأثير على الدراسة بحكم التغيب، و التأثير على السلامة بالرفع من احتمال التعرض للعنف بسبب اللجوء الأماكن معزولة، وفيما يتعلق بالاتصال بشبكة المياه الصالحة للشرب، فتبلغ نسبة الاتصال في المدارس الابتدائية 72.9%، وفي المؤسسات الثانوية الإعدادية 85.9% وفي المؤسسات الثانوية التأهيلية 91.6%..
ورصد المجلس هذه المعطيات في سياق الحديث عن العدالة المجالية في التعليم، مبرزا أنه في الوقت الذي تبين المؤشرات تواجد التعليم الابتدائي تقريبا في جميع الجماعات القروية، فإن التعليم الثانوي الإعدادي يتواجد في 977 جماعة من بين 1282 جماعة قروية مغربية، أي بمعدل تغطية يبلغ 76.2%. وتنخفض هذه التغطية في التعليم الثانوي التأهيلي، حيث يتواجد هذا التعليم في 506 جماعات قروية، بمعدل تغطية يبلغ 39.5% فقط، وذلك في سنة 2023.
ورصد التقرير أن المدارس الجماعاتية انتشرت بالوسط القروي، إلا أن ذلك تم بشكل محدود، كما أنها ساهمت في تعميم التعليم، ولكنها لم تساهم بنفس القدر في الارتقاء بجودته حتى تكون نموذجا مرجعيا يحتذى به في الوسط القروي.
وعلى الرغم من بعض الفوارق الدقيقة التي لا تعطي امتيازا كبيرا للمدارس الجماعاتية مقارنة بالمدارس الفرعية، فإن نتائج التلاميذ، لا تعكس وجود تمایز ملحوظ بين هذين النوعين من المدارس. كما أن معظم هذه المدارس، باستثناء بعض الحالات الناجحة تعاني من نقص في الموظفين المؤطرين، ومن ضعف في الموارد والبنية التحتية.
وأكد المجلس أن إحداث المدارس الجماعاتية لم يحقق كليا هدف جذب غالبية تلاميذ الجماعات التي تضم هذه المدارس، حيث تمكنت 4% فقط من المدارس الجماعاتية من تحقيق هدف تجميع كل التلاميذ المنتمين للجماعة التي تتواجد بها.
و أبرز التقرير ، أن حوالي 45% من المدارس الجماعاتية لا تتوفر على داخليات، أو لا يتم استغلال تلك المتوفرة، فضلا عن وجود تفاوتات في نسبة ملء الداخليات بين الأكاديميات، حيث إن بعض الداخليات تتجاوز طاقتها الاستيعابية، نظرا لإيوائها لتلاميذ الإعداديات، مما يؤثر سلبا على جودة الخدمات، لاسيما من حيث جودة الأفرشة والنظافة والظروف العامة للإيواء.
ودعا المجلس إلى رفع التحديات التي تواجهها المدارس الجماعاتية، بخلق مدارس جديدة، وإعادة تأهيل المدارس القائمة، ضمن استراتيجية شاملة لتطوير المدرسة القروية وتغييرها من خلال تخطيط في أفق عام 2030، يضع خارطة لإعادة تأهيل المدارس الجماعاتية أو إنشاء مدارس جديدة.
وأوصى التقرير بتحديد المدارس الفرعية التي يتعين إصلاحها وتخصيصها للتعليم الأولي عن قرب، وتعويض المدارس الفرعية بالمدارس الجماعاتية ضمن استراتيجية التمييز الإيجابي لفائدة الوسط القروي، والتعميم التدريجي للتعليم الأولي، ووضع إطار صارم يحدد ظروف ومعايير إحداث المدارس الجديدة، من أجل التوفر على مدارس جماعاتية أو فرعية تستجيب لتلك المعايير.
تقرير رسمي يعترف بتعثر إصلاح التعليم بالمغرب
