في زمن تُختزل فيه كرة القدم في لقطات جمالية وآنية، يخرج المدرب جمال السلامي ليعيد ترتيب الأولويات، ويراهن على منطق مختلف: الإنجاز أولًا، ثم يأتي النقاش حول الأسلوب لاحقًا.
هو موقف نادر في بيئة كروية عربية تطغى فيها الانفعالات على التحليل، وتتقدم فيها الأحكام المسبقة على منطق التخطيط.
السلامي، الذي قاد المنتخب الأردني إلى أول تأهل في تاريخه إلى كأس العالم، لم يقع في فخ الشعبوية. لم يَعِد بـ”كرة شاملة”، ولم يدغدغ أحلام الجماهير بأسلوب هجومي استعراضي، بل حدد هدفًا واحدًا منذ البداية: التأهل، وحقق ما وعد به.
هنا، لا يمكن تقييم الرجل من زاوية “لماذا لم نلعب مثل مانشستر سيتي؟”، بل من زاوية “هل أنجز ما طُلب منه؟”، والإجابة واضحة.
في عالم اليوم، بات النقاش محتدمًا بين مدرستين: مدرسة المتعة الكروية ومدرسة النجاعة التكتيكية. السلامي انحاز، عن وعي، للثانية.
اختار أن يكون مدرب مشروع لا مدرب استعراض. وهو بذلك لا يعادي الجمالية، بل يضعها في سياقها الطبيعي: تابع لما هو أعمق، وهو تحقيق الأهداف.
الانتقادات التي وُجهت لطريقة لعب المنتخب الأردني ليست مفاجئة، لكنها تكشف عن أزمة فهم: كثيرون لا يفرّقون بين “الوسيلة” و”الغاية”، وينسون أن كرة القدم ليست مسرحًا دائمًا، بل أحيانًا معركة يجب الفوز بها بأقل الخسائر.
حين ينتقل السلامي للحديث عن المنتخب المغربي، فهو لا يفعل ذلك بوصفه متابعًا خارجيًا، بل كواحد من أبناء المدرسة ذاتها. هنا يظهر احترامه لمرحلة التحضير، ودعوته إلى عدم التسرع في الحكم. رسالته الضمنية واضحة: لا تحاكموا منتخبًا من مباراة ودية، بل من بطولة كاملة.
إنه يدافع عن فكرة “ذروة الجاهزية” في الوقت المناسب، وهو تصور احترافي قلما نسمعه في النقاش الرياضي العربي، حيث تهيمن العاطفة على التحليل. إنه يدعو إلى الثقة في المشروع، لا في الانطباعات.
تحليل السلامي لمشاركة الوداد في كأس العالم للأندية يبرز حسه الاستراتيجي. الهزيمة أمام أندية كبرى مثل مانشستر سيتي ويوفنتوس لم تحجبه عن رؤية المكاسب غير المباشرة: الحضور الدولي، تجربة الاحتكاك، والقيمة التسويقية. هذا تفكير مدرب لا ينظر فقط إلى النتيجة على لوحة الملعب، بل إلى ما بعدها وما حولها.
في عمق تصريحاته، يدافع السلامي عن الكفاءة المغربية، ليس بالشعارات، بل بالوقائع. يسرد مسارات مدربين أثبتوا قدرتهم داخل وخارج المغرب، ويضع تجربته الشخصية في السياق نفسه.
إنها دعوة صريحة لمنح المدرب المحلي الثقة، لا كحالة استثنائية، بل كخيار استراتيجي.
أهم ما يمكن التقاطه في هذا المقال التحليلي هو أن السلامي لا يقدّم نفسه كصانع “إنجاز لحظة”، بل كواحد من مهندسي مشروع طويل الأمد.
التأهل إلى المونديال لم يكن ضربة حظ، بل ثمرة لتراكمات، واختيارات واعية، واستثمار في الكفاءات.
وفي هذا الطرح، يعيد السلامي الاعتبار لفكرة التخطيط في كرة القدم العربية، في مواجهة خطاب “الحظ” و”الاجتهاد الفردي” الذي لطالما سيطر على النقاش.
تصريحات جمال السلامي تكشف عن عقل كروي لا يرضى بأن يكون مجرد منفذ للتعليمات أو مستجيب للضغوط الجماهيرية.
هو مدرب يعرف ما يريد، ويؤمن بأن بناء المنتخبات لا يتم بالشعارات ولا بالانبهار بالأساليب الأوروبية، بل بفهم السياق، وتحديد الأهداف، والمثابرة على تنفيذها.