Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

حقوقيون يصفون تقرير السجون بـ”الإدانة للسياسة الجنائية”

شدد المحامي محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام ، أن بلاغ مندوبية السجون لا يمكن حصره فقط في قضية اكتظاظ السجون، لأنه يشكل إدانة للسياسة الجنائية، ولكل السياسات العمومية والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتبعة منذ عقود، وأضاف أن هذه السياسات فشلت في مواجهة الأسباب الحقيقية للجريمة، ذلك أنه لا يمكن فصل الجريمة وتصاعدها في دولة من الدول، عن السياسة التعليمية والبطالة والفقر والفساد والرشوة، وسيادة الإفلات من العقاب ودرجة احترام القانون وحقوق الإنسان.
وأكد الغلوسي، أن الجواب عن ارتفاع عدد السجناء واكتظاظ السجون لايمكن حصره في مشكلة فنية تتعلق ببناء السجون وتوفير الميزانية وترشيد الاعتقال فقط ، وإن كان ذلك مهما، بل لابد من إعادة الإعتبار للتعليم والمدرسة العمومية، وتشجيع البحث العلمي وتحفيز الكفاءات خاصة في صفوف الشباب والنساء، وإعلاء شأن الثقافة والإبداع والفن وتوزيع الثروة توزيعا عادلا، ونهج سياسة اقتصادية واجتماعية تروم مواجهة الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار ومكافحة الفساد ونهب المال العام.
إضافة إلى إصلاح منظومة العدالة والتصدي لكل مظاهر الظلم والحيف وإعادة الثقة للمجتمع في المؤسسات، ذلك أن هناك مقولة في علم الإجرام مفادها أن “الأماكن المظلمة (بدون ضوء ) تشكل فضاء خصبا لارتكاب الجريمة أكثر من الأماكن المضيئة (يوجد بها ضوء)، ودون ذلك فإن بناء المزيد من السجون لن يشكل حلا لارتفاع عدد السجناء، كما أن السجن لن يشكل الحل الأمثل لمواجهة تشوهات وأعطاب أي مجتمع.
وشدد الغلوسي على أن النقاش حول أوضاع السجون، هو نقاش صحي يجب أن يستمر و أن يتحول إلى نقاش عمومي واسع، وعلى الإعلام وخاصة العمومي منه أن ينخرط فيه باستحضار كل الآراء والأطراف المعنية، وفق مقاربة تشاركية وتوسيع دائرته ليمتد إلى مناقشة السياسة الجنائية وعلاقتها باحترام حقوق الإنسان والحريات، ومكافحة كافة مظاهر الفساد والرشوة والإفلات من العقاب ومختلف الجوانب المرتبطة بتطور الجريمة وسبل مواجهتها ومعالجة أسبابها.
و قال المرصد المغربي للسجون إن الاكتظاظ ولد مع الاعتقال الاحتياطي فأرهق السجون، والعائلات، والقضاء، والمجتمع والميزانيات، وأصبح ظاهرة تميز واقع السجون، وترمز لضعف الحكامة القضائية ولأزمة التعاطي مع الحرية.
واعتبر المرصد في بلاغ له، أن المطروح اليوم ليس البحث عن أصل معاناة السجون؛ هل هو الجريمة أو المغالاة في الاعتقال الاحتياطي أو ممارسة الدعوى العمومية، أو عدم تفعيل المراقبة القضائية وبدائل العقوبات المتوفرة لحد اليوم، بل إن هناك حاجة لحلول سياسية وحلول قضائية، وتنزيل حقيقي للمقتضيات الدستورية، وأخيرا في حاجة لحوار وطني وازن وصريح حول السجون، والاعتقال الاحتياطي والعدالة الجنائية.

ودعا المرصد إلى إعطاء كامل العناية والأولوية لحالة السجون بعد أن امتلأت بمائة ألف نزيل ونزيلة، فالحالة خطيرة و مخيفة بلغة المسؤولية والوعي بحماية الوطن والمواطنين.
وأمام هذا التطور المقلق، دعا مرصد السجون إلى تأسيس ” لجنة وطنية للرصد والإنقاذ ” من أطراف متعددة سياسية وقضائية وتشريعية وحقوقية وطبية، للقيام بزيارات للسجون، ومعاينة ميدانية لواقع الإيواء بالمؤسسات السجنية، بدءا بالسجن المحلي عكاشة بالدار البيضاء.
وطالب باتخاذ إجراءات مستعجلة للحد من إجراءات الإعتقال الإحتياطي، ومن أجل الإفراج عن السجناء والسجينات الذين ستنتهي مدة الأحكام الصادرة في حقهم في الأشهر الثلاثة القادمة، أو الذين تتعثر قضاياهم لدى مكاتب التحقيق.
وشدد على ضرورة إعطاء صلاحيات جديدة لآليات الرقابة القضائية والادارية لكي تقوم بأدوارها سواء تعلق الأمر بتغطية شاملة للمؤسسات السجنية وعلى الخصوص المتأثرة بالارتفاع المهول للساكنة، أو بتقديم مقترحات تهم حالة الاكتظاظ.
ودعا البلاغ إلى تفعيل حقيقي للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، باعتبار أن الاكتظاظ هو أيضا تعذيب حسب القرارات الأممية.
وأكد على ضرورة الاسراع بعرض القانون والمسطرة الجنائية على البرلمان والقانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين، وقانون العقوبات البديلة، و التي يعتبرها المرصد أدوات للرفع من النجاعة القضائية وضمان حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة.
وطالب المرصد في ذات الصدد، باتخاذ إجراءات لإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي و الحركات الاجتماعية.
وخلص المرصد في بلاغه إلى الدعوة لتفعيل آلية المسؤولية والمحاسبة، حفاظا على مصداقية القرارات والأوامر القضائية، وتفاديا للأخطاء القضائية، واحتراما لقرينة البراءة، المقررة دستوريا وفي القانون الدولي لحقوق الانسان.

و أكدت رئاسة النيابة العامة، أنها ما فتئت تعمل جاهدة على مواكبة موضوع الاعتقال، والتفاعل مع وضعية المؤسسات السجنية التي تعرف بعضها اكتظاظا في ساكنتها، من خلال توجيه عمل النيابات العامة بمقتضى دوريات أو عقد اجتماعات مع مسؤوليها، وكذا عبر تنظيم دورات تكوينية في هذا المجال.
وأوضحت رئاسة النيابة العامة، في بلاغ حول العوامل والإكراهات التي تتحكم في عدد نزلاء المؤسسات السجنية بالمغرب، و”في إطار الحق في الحصول على المعلومة المكرس بمقتضى الدستور والقانون”، أن ذلك يأخذ بعين الاعتبار التلازم بين مواجهة استفحال الجريمة وحماية المواطن والمجتمع من آثارها كأولوية، انطلاقا من مبدأ التزامات الدولة في هذا الاتجاه، وتفاديا لنسف جهود المصالح الأمنية والشرطة القضائية في محاربة الجريمة من جهة، وتكريسا لدور القضاء في تفعيل مبدأ حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحريتهم وأمنهم القضائي طبقا لمقتضيات المادة 117 من الدستور من جهة أخرى”، وقالت “من تم فإن المبالغة في اعتماد المرونة في الإبقاء على المتورطين في جرائم تتسم بنوع من الخطورة في حالة سراح، سوف تكون له عواقب وخيمة على أمن المجتمع والأفراد على حد سواء”.
واعتبرت رئاسة النيابة العامة أنه “انطلاقا من هذه الإكراهات، فإن مقاربة معالجة الجريمة تختلف من دولة لأخرى حسب خصوصيتها والثقافة السائدة لدى مواطنيها، وبالنسبة لبلادنا فإن الأمر يتطلب العمل المتواصل من أجل تغيير الثقافة السائدة حاليا لدى فئات من المواطنين الذين يرون أن العدالة الجنائية الناجعة تكمن في الاعتقال، وأن الردع الصائب هو العقوبات السالبة للحرية في جميع القضايا، وإلا فإن هذه العدالة تبقى منتقدة وغير مجدية، علما أن القضاء بصفة عامة لا يأبه بهذا الاتجاه، وإنما يحرص على التطبيق السليم والملائم للقانون”.

Exit mobile version