خرجت الجمعية المغربية لحماية المال العام، في وقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط، في خطوة نضالية جديدة ضمن سلسلة تحركاتها الرامية إلى مواجهة الفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة، والتصدي لمحاولات تقنين الإفلات من العقاب عبر التعديلات المقترحة على مشروع قانون المسطرة الجنائية.
وشهدت الوقفة حضور عدد كبير من النشطاء والمواطنين المتضررين من الفساد، وعلى رأسهم ضحايا زلزال الحوز الذين عبّروا عن استيائهم من إقصائهم المستمر من الدعم وغياب المحاسبة عن الاختلالات التي شابت عملية تدبير ملفهم. كما رفع المحتجون شعارات قوية تطالب بإسقاط الفساد، من قبيل: “الشعب يريد إسقاط الفساد”، و”المال السايب كيعلم السرقة”، في تعبير صريح عن الغضب الشعبي المتزايد إزاء استمرار نهب الثروات الوطنية وتفقير الفئات الهشة.
و الوقفة الاحتجاجية كانت مناسبة أيضاً للتعبير عن رفض واسع للتعديلات المقترحة على مشروع قانون المسطرة الجنائية، خاصة المادتين 3 و7، اللتين تُقيّدان – بحسب الجمعية – دور المجتمع المدني في التبليغ عن جرائم الفساد، وتمنحان حماية غير مبررة للمفسدين. واعتبر المحتجون أن هذه التعديلات تمثل تراجعاً خطيراً عن استقلالية النيابة العامة، وتهديداً للديمقراطية والمراقبة القضائية.
وفي كلمة ألقاها خلال الوقفة، وجّه محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، انتقادات لاذعة للحكومة، متهماً إياها بالسعي إلى “تحصين حلفائها السياسيين” من الملاحقة والمساءلة عبر سن قوانين تخدم مصالح ضيقة. وقال إن الحكومة، عبر هذا المشروع، توفّر حماية للمفسدين، وتتجه نحو تضييق الخناق على المجتمع المدني، في وقت تعاني فيه البلاد من تفشي الفساد وتداخل المصالح بين السياسة والمال.
ولم تخلُ الوقفة من مشاهد مؤثرة، إذ حضر عدد من ضحايا زلزال الحوز الذين لا يزالون يعيشون أوضاعاً صعبة منذ ما يقارب العامين. ورفع هؤلاء شعارات تطالب بالإنصاف والعدالة، منددين بـ”الإقصاء الممنهج” من الدعم، وبالفساد الذي طبع تدبير ملف الإغاثة وإعادة الإعمار. ووجّه المتضررون مناشدة مباشرة للملك محمد السادس من أجل التدخل لوقف معاناتهم وضمان محاسبة المتورطين.
واستغل محمد الغلوسي المناسبة لإثارة قضية الدعم العمومي الموجّه لتربية الماشية، والذي أثار جدلاً واسعاً مؤخراً، خاصة بعد تفاقم أزمة الأضاحي هذا العام. وطالب الغلوسي بفتح تحقيقات مستعجلة وشاملة بخصوص ما أسماه بـ”فضيحة الفراقشية”، داعياً إلى افتحاص مالي وتقني شامل لأموال الدعم العمومي التي لم تنعكس، حسب قوله، لا على حجم القطيع ولا على قدرته الإنتاجية.
وكشف الغلوسي أن الدولة خصصت دعماً بمعدل 850 درهماً عن كل رأس من الكباش و750 درهماً عن كل رأس من النعاج، دون أن تكون لذلك نتائج ملموسة على أرض الواقع، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأضاحي إلى مستويات غير مسبوقة وحرمان عدد كبير من المغاربة من الاحتفال بعيد الأضحى.
وأضاف أن وزير الفلاحة السابق، الذي طمأن المغاربة طيلة أشهر حول سلامة القطيع وتوفر الأضاحي، أعفي من مهامه فجأة دون أي محاسبة، ليتبيّن لاحقاً أن القطيع انخفض بنسبة 38%. وأشار الغلوسي إلى أن التقارير الرسمية والإحصائيات كانت مضللة، وهو ما يقتضي محاسبة كافة المتورطين في توزيع الدعم وترقيم وتلقيح القطيع، وتقييم دور الجمعيات المهنية في القطاع.
وختم الغلوسي كلمته بالتشديد على أن الفساد في المغرب لم يعد حالة معزولة أو فردية، بل أصبح معضلة نسقية تهدد مستقبل البلاد واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي. وطالب بتخليق الحياة العامة وتفعيل المحاسبة في حق جميع المسؤولين العموميين، دون استثناء أو تمييز، وربط المسؤولية بالمحاسبة كما ينص على ذلك الدستور.
كما دعا إلى إحالة جميع التقارير الرسمية الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات ومفتشيات الوزارات على القضاء، ومتابعة المتورطين في قضايا تبديد واختلاس المال العام، محذراً من استمرار الإفلات من العقاب، ومن محاسبة “الصغار فقط وترك الحيتان الكبيرة تعيث فساداً في المال العام”.
وأكد أن الجمعية المغربية لحماية المال العام ستواصل نضالها من أجل العدالة ومحاربة الفساد، داعياً جميع مكونات المجتمع إلى اليقظة والانخراط في هذه المعركة المصيرية لمستقبل الوطن.
حماة المال يخرجون للشارع للمطالبة بإسقاط الفساد
