في مشهد سياسي يطبعه التناقض والارتباك، تقدمت فرق الأغلبية البرلمانية، الممثلة في حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، بطلب لتنظيم مهمة استطلاعية مؤقتة حول برامج استيراد الأبقار واللحوم، والإجراءات المصاحبة لها، ومدى تحقيقها لأهدافها.
الغريب في هذا الطلب أن الجهات التي قدمته هي نفسها مكونات الحكومة التي أبرمت صفقات الاستيراد، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى هذه المهمة وصدقيتها: كيف لأغلبية تحكم وتنفذ السياسات العمومية أن تطلب التحقيق أو “الاستطلاع” في قرارات هي من صادقت عليها وأشرفت على تنفيذها؟
هذه الخطوة، التي يُفترض أن تكون آلية رقابية من صميم دور المعارضة، تحولت إلى ممارسة غريبة تمارسها الأغلبية على نفسها، ما يجعل المتابع يتساءل إن كانت الحكومة فقدت البوصلة أو الثقة في أجهزتها الداخلية.
ويرى عدد من المراقبين أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لامتصاص غضب الشارع بعد تصاعد موجة الانتقادات بسبب ارتفاع أسعار اللحوم، وتراجع القدرة الشرائية، والجدل المثار حول جودة اللحوم المستوردة ومصدرها. في المقابل، يعتبر البعض أن ما حدث يعكس خللًا في التنسيق الحكومي، أو على الأقل محاولة لإعادة ترتيب البيت الداخلي للأغلبية عبر أدوات “برلمانية” شكلية.
في النهاية، يجد المواطن نفسه فيأمام مفارقة عبثية: حكومة تحقق مع نفسها، وأغلبية تطالب بكشف ما خططته ونفذته هي ذاتها. فهل تحول البرلمان إلى مسرحية من فصل واحد، يؤدي فيه الفاعل دور المراقب والمتهم في آن واحد؟