Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

دبيب سلطة لا نراها

إدريس عدار
السلطة مجبولة على ممارسة الاختفاء أكثر من غيرها. لا تراها بالعين المجردة بل تستعصي حتى على التجربة. فهي أخفى من دبيب النمل. وعندما تشعر بها فهي تشبه “تنميل” الجسد من كثرة الجلوس. لها قدرة كبيرة على الانتقال. شبيهة بعالم “الجن” كما تحتفظ به الذاكرة الجماعية. “تسكن” الأجسام دون أن تشعر بها وتتقمص أشكالا مختلفة. لها “طريق سيار” صعودا ونزولا. يمارسها صاحب المنصب العالي كما يستعملها “الحارس” و”البائع” وفي الغالب يعلن “تفويضا” من سلطة أعلى منه.
في الحكاية البسيطة، توقفت السيارة أمام محل لبيع الأحذية. تلقى السائق إنذارا ممزوجا بابتسامة مسمومة. “عفاك تحرك شوية خلينا نترزقو الله”. التفت إلى الرصيف لم تكن عليه أية إشارة تمنع الوقوف. لما “أرجع” البصر كرتين رأى أن صاحب المحل يستغل كامل الرصيف. لم يترك للراجلين مكانا للمرور.
من أين استمد صاحب الدكان سلطة المنع؟ منع الراجلين من حقهم في الرصيف؟ منع أصحاب السيارات من الوقوف والتوقف أمام دكانه؟ وقد يمنع صاحب المنزل من الخروج إلا عندما يشاء تحريك سلعته.
هناك سلطة تراه وهناك سلطة تشترك معه ومن هذه السلط يتسرب دبيب السلطة التي لا نراها وتفعل فعلها، والتي تمنحه كل هذا النفوذ. الذي يحميه بمقابل هو من يمنحه نفوذا وسلطة. سكوت السلطة عنه هو الذي أطلق لسانه تجاه المواطنين.
فالسلطة كما عرّفها ماكس ويبر هي الشرعية التي يمتلكها شخص أو جماعة، ويشهرها في وجه شخص أو أشخاص، لكن يفرق بين السلطة عندما تكون عقلانية، ومهما كان مصدرها تخضع للقانون مهما كان هذا القانون. نحن أمام سلطة غير عقلانية، مصدرها مجهول ولا تخضع للقانون، بل إن صاحبها يستمد سلطته من الخروج عن القانون ومخالفته.
ويرى ويبر أن الفرد أو المجموعة كي يمتلكوا السلطة لابد لهم من الاعتقاد بأن أوامرهم ستنفذ حتما، والأشخاص الذين ينفذونها يعتقدون بمشروعية صدور هذه الأوامر. لكن هذه السلطة الخفية صاحبها لا يعتقد أن أوامره ستنفذ، لأن أي واحد تمرد عليها يمكن أن تنقلب الأمور، والذين ينفذون أوامره إما خوفا من البلطجة أو أناس يذهبون إلى مصلحتهم ليس لهم وقت يضيعونه معه.
إذن هناك تواطؤ على ممارسة هذه السلطة، رغم أنها ليست عقلانية، ولا يحميها قانون، بل بالعكس هي تعتبر بلغة المغاربة “خرجان العقل” وهي تمثل قمة الخروج عن القانون، وهذا التواطؤ يشترك فيه رجل السلطة، الذي يمتلك القانون الرادع لاحتلال الشارع العام وصاحب المحل والمواطن الذي يسكت تحت ظروف عديدة، وبين رجل السلطة وممارس السلطة الخفية مصلحة غير معروفة أو معروفة وغير مرئية، وتنتقل من السلطة القانونية قوة تصبح ملكا لصاحب السلطة غير القانونية ويمارسها على مواطن ليس له خيارا سوى الخضوع أو المواجهة غير محسوبة العواقب.

Exit mobile version