أظهرت نتائج البحث دراسة جديدة حول تمثلات الساكنة المغربية أن 43.8 % تفسر الجائحة بربطها بالمجال الديني ” بلاء من عند الله أو عقاب من عند الله”، 20.1 % صرحت أن الفيروس ذو علاقة بنظرية المؤامرة ” مصنع في مختبرات أجنبية، الماسونية، مصالح شركات الأدوية…”، 14 % صرحت أن أصله طبيعي “التلوث، المناخ، تحولات طبيعية”، و8.1 %أصل حيواني، و18.5 % تصرح بعدم معرفتها بأصل الجائحة.
وبينت نتائج البحث، أن تدخل الدولة المغربية في كل مراحل تدبير الجائحة كان ملحوظا وعلى أكثر من صعيد، وعبر عدة إجراءات منها ما هو صحي، اجتماعي، أمني، اقتصادي…إلخ. وخلف هذا التدخل آراءً ومواقفاً متباينة لدى الساكنة المغربية ولدى العاملين في القطاع الصحي، كما أن تصورات الساكنة لحضور الدولة اختلفت باختلاف مراحل التدخل: مرحلة الحجر الصحي، مرحلة ما بعد الحجر الصحي، مرحلة التلقيح؛ إذ يلاحظ من خلال النتائج، أن ثلثيالساكنة المغربية كانت تعتبر برامج التحسيس التي تقوم بها الدولة خلال الحجر الصحي كافية، بينما فقط الثلثمن الساكنة صرحت أن برامج التحسيس كانت كافية بعد الحجر الصحي،وهذا يبين تراجع النسبي الذي حصل في هذا المستوى، وما يعزز هذه النتائج أن ثلثي المبحوثين كانت لهم ثقة في مواجهة الدولة لكوفيد-19 مع بداية الجائحة، لكن هذه الثقة تراجعت إلى 44 % في الفترة الحالية.
و أنجز فريق البحث”الصحة والمجتمع” بمختبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بقيادة حامل المشروع ومدير المختبر البروفيسور محمد عبابو، ومنسق الفريق الأستاذ الباحث صلاح الدين لعريني، دراسة سوسيولوجية وطنية شاملة حول جائحة كوفيد-19 وتداعياتها على المجتمع المغربي. وذلك في أطار تنفيذ مشروع البحث: “الإدراك الاجتماعي للمخاطر المرتبطة بفيروس كورونا وتأثيرها على الوقاية لدى الساكنة المغربية”.
و تبين البيانات المتعلقة بالإجراءات الاحترازية من فيروس كوفيد-19 اختلاف الوقاية حسب المراحل، خاصة خلال مرحلة الحجر الصحي مقارنة بمرحلة التي تلته. بحيث تظهر النتائج، فيما يخص المرحلة الأولى، أن أكثر من ثلثي المبحوثين التزموابالحجر الصحي بالبقاء في المنزل. كما أن غالبية المبحوثين استعملوا المعقم الكحولي أو استعملوا الصابون لغسل اليدين و71 %قاموا بارتداء الكمامة. و69 % لم يمدوا أيديهم لإلقاء التحية. كما أن فقط 60 % من تفادوا الاجتماعات مع مجموعة من الأفراد و56 % احترموا مسافة متر ونصف للتباعد بين الأشخاص. علاوة عن ذلك، أظهرت النتائج المتعلقة بسؤال الوقاية المتعدد الأجوبة: أن أكثر التدابير الوقائية احتراما هي غسل اليدين بالصابون واحترام الحجر الصحي ب 88.7 % متبوعة بغسل اليدين بالصابون وارتداء الكمامة ب تكرار 85.4 %. وهذا يعني أن المبحوثين كانوا أكثر التزاما للتدابير الوقائية الفردية مقارنة بالتدابير الجماعية والتفاعلية. بينما ثلث العينة (30 %) لم يلتزم بذلك بشكل قاطع، أما في المرحلة الثانية أي مرحلة ما بعد الحجر الصحي يلاحظ تراجع واضح على مستوى التزام بالإجراءات الاحترازية:سواء الالتزام بالحجر الصحي؛ حيث73 %من الساكنة المدروسة خرجت من المنازل، و49.8 %استعملت المعقم الكحولي، بينما 50 % لم تستعمله، و64 % التزمت بغسل اليدين بالصابون، و71 % كانت ترتدي الكمامة، وفقط 33 % احترمت مسافة متر ونصف بين شخصين، و34 % تفادوا التجمع مع الناس، أما فيما يخص الإجراءات العملية الموازية للتدابير الوقائية التي قامت بها الدولة لمحاربة الجائحة يلاحظ أن المبحوثين يصنفونها على النحو التراتبي: الإجراءات التضامنية خاصة منها إجراء مساعدة الفقراء والمحتاجين والساكنة الهشة(%76)، أتى في المرتبة الأولى، متبوعا بالإجراءات الصحية والوقائية:مثل إجراء الحجر الصحي(68%)، إغلاق الحدود البرية، البحرية والجوية(%64)، حالة الطوارئ الصحية(%36.6). وأخيرا الإجراءات الأمنيةكالحد من التنقل بين المدن ووضع نقط مراقبة لمعاينة تنقل الحافلات داخل المدن أو خارجها(36%)، حالة الطوارئ وحضر التجوال؛ حيثلم يحظى حضور الجيش(%20)إلا بقبول ضعيف من طرف المبحوثين اللذين عبر عدد كبير منهم عن عدم قبوله لحضورالسلطات الأمنية وخاصة العسكريةفي مواجهة الجائحة للحد من تنقلات الأفراد في المدن، في مقابل ذلك حظي ساسية الحجر الصحي بقبول اجتماعي واسع نظرا لأهميته الوقائية.
و بنيت البيانات الميدانية، أن وسائل الإعلام حظيت بمتابعة كبيرة خلال مرحلة الحجر الصحي؛ إذ بلغت نسبة المتابعة 88.6 في المئة في صفوف الساكنة المشاركة في البحث، وأن 60 في المئة منها كانت تتابع الإعلام في غالب الأحيان وبشكل متنظم، دون أن يسجل أي اختلاف دال على مستوى متغيري الجنس أو السن، ما عدا أن الشباب كانوا أكثر تتبعا لشبكات التواصل الاجتماعي، التي كانت المصدر الأساسي للمعلومات والآراء والمواقف والمعلومات الوقائية حول الفيروس والمواقع والجرائد الإلكترونية، مقارنة بالكبار السن الذين كانوا أكثر متابعة للتلفاز والمذياع، و من بين الملاحظات المثيرة للانتباه، أنه رغم أن هذا الفيروس حظي بمتابعة إعلامية لم يحظى بها أي فيروس قبله، فإن الساكنة المشاركة في البحث صرحت أن الفيروس ظل بالنسبة لها ملتبسا، وأن معارفها حول كل ما يرتبط به من وقاية وعلاج لم تكن كافية (57 %لم تمتلك معرفة كافية به). بينما شككت نسبة %20 في وجود الفيروس وأنكرت وجوده، في حين أقرت نسبة 80%من الساكنة بوجوده، (% 24 اعتبرت أن أصله طبيعي، و33 %عقاب/ابتلاء إلهي، و 43% صناعة المختبرات).
و بينت النتائج ، أن المصدر الأساسي للمعلومات المتعلقة بكوفيد-19، كان هو شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع والجرائد الإلكترونية بالنسبة للشباب (ما بين 15 سنة و54 سنة)، بينما كان التلفاز والمذياع من أكثر المصادر التي يستقي منها المسنين (55 سنة فأكثر) المعلومات حول هذا الداء. وبخصوص مدى رضى الساكنة على الكيفية التي غطت بها وسائل الإعلام الوطنية بمختلف أنواعها وأشكالها الجائحة، بينت النتائج أن مؤشر الرضى ظل مرتفعا؛ إذ بلغ نسبة 79 في المئة.
و أظهرت البيانات الميدانية، أن الوسائط الإعلامية تمتلك سلطة معرفية ومؤسساتية كبيرة على مستوى التحكم في أنواع المعاني والرسائل التي تم تناوُلها وتعميمها إعلاميا وتبادلها اجتماعيا حول المخاطر الصحية المرتبطة بكوفيد-19. وتعد وسيطا جماهيريا رئيسيا في سيرورات نقل المعرفة، وبناء التمثلات والرغبات، وتحديد المواقف، وتوجيه السلوكات، والتأثير على القرارات التي يتخذها الأفراد بشأن الوقاية. هذا ما ظهر بجلاء في المغرب خلال زمن الجائحة؛ حيث حضي فيروس سارس كوف-2، بتغطية إعلامية متواصلة ومكثفة، وكان موضوعا مركزيا في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها الكلاسيكية (الجرائد والمجلات الدورية المطبوعة، والإذاعة والتلفزيون) والجديدة (المواقع والجرائد الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي…إلخ).
و جعل وسائل الإعلام تضطلع بأدوار متضاربة، تارة كانت تظهر كوسيط جماهيري للتعريف بالفيروس وتعزيز المعارف الدقيقة حوله والرفع من منسوب الوقاية منه في صفوف المغاربة، وتارة أخرى كانت تظهر كقوة تضليلية تبث وتعمم الخوف والإشاعات والأخبار المضللة والمعلومات المشكوك في مصداقيتها، وهذا ما حولها -في بعض الأحيان-إلى عامل خطر يدفع الأفراد إلى اللامبالاة الاجتماعية تجاه كوفيد-19، وبالتالي التقليل من شأن مخاطره.
ولعبت وسائل الاعلام دورا مركزيا في البناء الإعلامي والاجتماعي للمخاطر الصحية لكوفيد-19، وفي تحديد الكثير من الظواهر والأفعال الاجتماعية والممارسات الوقائية المرتبطة به؛ إذ ظهرت كوسيط بين المجتمع والمعرفة، وبين الصحة والمرض أي بين مطلب الوقاية وتحدي المخاطرة، فعبر هذه الوساطة الجماهيرية في بث وتقاسم المعلومات والرسائل الطبية وشبه طبية عملت وسائل الإعلام على بناء واقع اجتماعي موازي للواقع الموجود خارج القنوات الإعلامية بمختلف أشكالها وأنواعها، إلى درجة أن هذا واقع الاعلامي أصبح يبدوا كما لو كان مطابقا للواقع الفيزيقي وأحيانا مجاوزا له وموجها لما يعتمل في بيئاته الطبيعية والاجتماعية من خطابات وتمثلات وممارسات حول الوقاية والمخاطرة تجاه كوفيد-19.
ويظهر أن الإعلام عمل على التغطية المكتفة ليوميات الجائحة، وعرف الجمهور بالكثير من جوانب الجائحة، ورفع من منسوب الوقاية، لكنه ساهم أيضا في بناء خطابات لاطبية هجينة حول الفيروس، تحولت إلى عائق معرفي واجتماعي أمام الوقاية والسيطرة على الوباء. وتبقى نظرية المؤامرة من بين النظريات الاجتماعية التي سادت إلى حد ما في شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصا في صفوف الشباب الذين فسر بعضهم الفيروس بالتآمر الداخلي ” الدولة” والبراني “الأجنبي”، مما يضعنا أما ظاهرة أسطرة الفيروس عبر حبك العديد من الأساطير والإشاعات حوله نتيجة للشعور بالذعر منه وباللايقين الذي ميزه ولا زال إلى يومنا هذا.
دراسة: مغاربة يصفون وباء “كورونا” بـ”الإبتلاء من عند الله”
