Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

على ضوء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش… الأحزاب والجدية

في مقال سابق خصصنا حيزا مهما للحديث عن “الجدية باعتبارها منهج دولة ومجتمع”، وختمناها بالقول إن الأحزاب السياسية معنية بالدور الكبير في ترسيخ هذه القيمة الروحية والاجتماعية، فالجدية شأن اجتماعي كما أنها شأن روحي تشعر صاحبها بالطمأنينة والراحة كما يجازي الله تعالى كل امرئ عمل عملا فأتقنه، بصرف النظر عن طبيعة هذا العمل وعن شكله وأصله وفصله.
فالأحزاب السياسية تلعب دورا مهما في ترسيخ قيم الجدية في المجتمع، لكن كما يقال “فاقد الشيء لا يعطيه”.
كانت لدينا يوما أحزاب سياسية لم يكن زعماؤها ممن يتهافتون على جمع المال، بل كان منهم زاهدون في الحياة، وقد أتيحت لهم فرصة مراكمة الثروات، فلنتصور زعيما من زماننا كان مكان الراحل عبد الرحيم بوعبيد رحمة الله عليه، وما تولاه من مناصب ماذا كان سيفعل بالمال العام؟ وكان الزعماء لديهم عفة وصدق لسان وجرأة على قول الحق وإقدام على الدفاع عن قضايا الوطن.
كان الزعماء السياسيون، الذين لديهم خلاف مع تدبير الشأن العام أو مع النظام كما كانوا يقولون، لكنهم كانوا يجمعون حقائبهم يجوبون العالم للقاء أصدقائهم ورفاقهم في الدنيا لشرح انتماء الصحراء إلى المغرب وأن المنازعة عليها مجرد مغامرة صغيرة لبومدين ورثها عنه الآخرون، وكانوا يدافعون بكل قوة عن القضية.
اليوم لدينا أحزاب شكلا لكن مضمونا يمكن تسميتها بأي شيء. ليس هذا تبخيسا للعمل السياسي ولكن توصيفا لما يجري أمام أعيننا. أول سؤال نطرحه: هل هذا العدد من الأحزاب السياسية كلها يجد تعبيره في المجتمع؟ أي هل هناك حاجة فكرية وإيديولوجية واجتماعية لوجود هذا الكم الهائل من الأحزاب السياسية؟ هذه الكثرة المتكاثرة وهذا التوالد غير الطبيعي دليل على العبث وضرب صارخ للجدية.
العبرة بالخواتم كما يقال، وما دامت كل الأحزاب السياسية تشارك في الانتخابات باستثناء حزب واحد، فإن هذا العدد الهائل من الأحزاب لو كان فعلا يمثل ضرورات اجتماعية وتعبيرات في المجتمع، لاستطاع تعبئة جمهور الناخبين، ولكانت نسبة المشاركة هائلة، لكن النتيجة في تراجع، بل إن هذه الكثرة الغثائية هي من أهم أسباب العزوف السياسي لدى المواطنين المغاربة.
ما معنى أن تجد أربعة أو خمسة أو حتى أكثر من حزب لا تختلف في شيء؟ أي خلفية تحكم ذلك؟ عدد من الأحزاب تم تأسيسها فقط لأن القيادات لم تعد على الود الذي كان، أو أن المنافع لم تعد تقتسم بينهم كما ينبغي وبالتالي يلجأ المتضرر إلى تأسيس دكان جديد كي يحصل من خلاله على “كعكة” يأكلها مع مقربيه دون وجع رأس.
الجدية لدى الأحزاب السياسية تبدأ من المحاسبة قبل مطالبة الدولة بالمحاسبة. الجدية أن تكون ذا مشروع يحترم وضعك الانتخابي لا أن تطلب وتتودد للمشاركة في الحكومة، لأن المعارضة لها أيضا أدوار مهمة إن كانت جدية.

Exit mobile version