Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

عندما تمتزِج السّياسةُ بمفهوم الأخلاق

محمد فارس
دارَ حوارٌ جادٌّ بيْني وبين زوجتي، ولاحظتُ أنّها ترى أنّ السياسة كذبٌ وخِداع وتحايُل على الناس؛ لهذا ترى أنّ ما تفْعله الحكومةُ اليوم، إنْ هو إلاّ السّياسة بِعيْنها، ولا لَوْمَ على حكومة اليوم إنْ أخْلفَت وُعودَها للشعب، وتنكَّرت لعُقودِها المعبَّرِ عنها خلال الانتخابات، وليست في حرج إنْ بدَا ضعفُها، ولِلْعيان برزَ فشلُها؛ أمّا ما تمارسه من قَمْع، ومَنْع، وزيادات في الأسعار، ومراكمة لِلثّروات، فتلكُم هي السُّلطة، والسّلطةُ معناها الغلَبةُ والاقتدار، وهؤلاء الوُزراء غلَبونَا، وجازَ لهم أن يُتْعِبُونا، وتَعْبيرُنا هو ما ردَّدَه الشاعرُ المقهورُ إذ أَنشد في حسْرة: [إذا نطَقتُ، فقاعُ السِّجْن مُتَّكأ * وإنْ سَكَتتُ فإنّ النَّفسَ لنْ تَطِبِ]؛ قلتُ لها: هل هذا حقّا ما تعتقدينه في السِّياسة؟ قالت: نعمْ، هذه هي السّياسة كما ألِفْناها، وأضافتْ: وأنتَ، ما هو رأْيُكَ، وما هو مفهومُ السِّياسة في نظرِكَ؟
قلتُ لها: هذه السّياسة التي عبّرتِ عنها، هي تمامًا سياسةُ [مَاكْياڤيلِّلي] الذي ينصَح السّياسيين بالـمَكر، والكذب، والخداع، ويُجيزُ العنفَ، والقمعَ مع حماية ثروات الأثرياء وعدم المساس بها، كما يحذِّر من احترام الفضائل والأخلاق، لأنّ مَن يَعمل بها، يسيرُ إلى حتفِه بقدميْه، واعتبر النّاسَ مُنافقين، فلا يتورَّعون في معاداة السِّياسي إنْ بدَتْ لهم مصلحةٌ في ذلك؛ وأضاف [مكْياڤيلّلي] في كتابه الشهير: [الأمير]: قدْ لا يَبْكي الإنسانُ على موتِ أبيه، ولكنّه يَبْكي على ذهاب ثروة وفُقدان مَنصب؛ وقد رأينا كيف كان يبكي وزيرٌ بدموع رَطْبَة يوم مغادرتِه الوزارة خلال تنصيب وزراء الحكومة الجديدة، وهؤلاء الوزراء اليوم، يخافون على ذهاب ثروات أو فُقدان مناصب، ممّا يفسِّر سياستهم الحالية..
أما عن رأيي أنا في السّياسة بما هي كذلك، فلَعلِّي متأثِّر إلى حدٍّ ما بِما أعْرفه عن رأي [أرسطو] في السياسة، وكيف يُمزِجُها بمفهومه عن الأخلاق، فلئِن كانتِ الأخلاقُ في نهاية أمْرِها تريد أن تحقِّق السعادةَ للمواطن داخل المجتمع الذي هو عضوٌ فيه، فإنّ السّياسةَ هي في صميمِها فرعٌ من الأخلاق، لأنّها لا تريد شيئًا أكثَر من أن يتحقّقَ الخير للدّولة في مجموعها، وأنّ هذا الخير العام، لا يُمكِن فهمُه فهمًا واضحًا إلاّ أن يكون حاصِل جَمْع الخير الذي يصيبه المواطنون؛ وإنّه لـمِنَ الضَّلال والتّضليل أن يقول قائلٌ إنّ الأفرادَ قد تشقى في سبيل المجموع، كأنّما هذا المجموع عِفريتٌ من الجِنّ نسمعُ به، ولا نراه.. قد يعتقِد بعضُ السّذج أن أهمَّ أركان السِّياسة هو الاقتصاد والتّجارة وتكديس الثّروات، واعتبار الوطن سُوقًا، والمواطنين مجرّد زبائن كما يحدثُ الآن، فيضيف البلهاءُ أنّ هذا الاقتصاد جزءٌ من نشاط الإنسان؛ فإذا أنتَ جعلتَ من كلّ إنسانٍ في مجاله الخاص إنسانًا أكْمَل بالنّسبة إلى ذلك المجال، فقد ضمنْت أن يَجيءَ كلُّ ضروب نشاطه، ومنها النّشاط الاقتصادي نفسه، مسايرًا لما يحقّق للأمّة أهدافَها، إذ كيف يكون [الاقتصادُ] الذي يمارسه التُّجارُ باسم السّياسة، وباسم الحكومة، ذا أولوية على احترام القانون، وممارسة الديمقراطية الحقَّة، ومراعاة حقوق المواطنين؟ كيف تكون له أولويةٌ على حياة الأسرة، وعلى القِيَم الثّقافية، والرّوح الوطنية؟ كيف تكونُ التّجارةُ التي تُمارسُ باسم السّياسة ذات أولوية على الصّحافة، وحرّية التّعبير، وصحافتُنا اليوم دخلتْ مرحلةَ الاسْتِمْوات، ولا ديمقراطيةَ، ولا حياةَ سياسية، ولا مؤسّسات تشريعية بدون صحافة جادّة، واعية بمسؤولية المهامّ الجسيمة؛ فهل رأيتَ حكومةَ [أخنوش] التفتتْ إلى مشاكل هذا القطاع قبل فوات الأوان، علمًا بأن الصّحافة الحُرة والنّقدية هي أهمّ بالنسبة إلى الحكومة من صحافة الـمُوالاة بِمزاميرِها وطبُولها وأقلام التّكسّب فيها..
خلاصة الرأي عندي التي لا أمْلكُ سواها هي أنّ السياسة هي علمُ تغيير الواقع الاجتماعي، وأنّ هذا الواقع هو أنتَ، وهم، وهنّ، وإذَنْ فلابدّ أن يتغيَّر الواقع، وهذا الواقعُ لن يتغيّر إلاّ بتغيير هؤلاء الكابسين على أنفاسنا، المتخوِّضين في ثرواتنا، المنهالين بالهراوات على رؤوسنا، والسّائرين بصناديقَ اجتماعية، وقطاعاتٍ حيوية نحو الهاوية؛ والسّياسة الحقيقيةُ هي التي تصنَع لنا هذا التّغيير، وتريحنا من تجّار، و[بزناسة] تسلَّلوا إلى ميدان السّياسة والسّياسة منهم براء، فزادونا همّا، ولبسْنا بِمُمارساتهم غَمّا، والفلاسفةُ حذّروا من السّماح للتّجار بممارسة السّياسة، لأنّهم فقراءُ عقلاً، وفكرًا، وغِناهُم لا يزيدُ الأمّةَ إلا بؤْسًا وتَذمُّرًا؛ ونحن الشّعب في غيبوبة تامّة وفي فُقْدان الوعي؛ لكنْ إلى متى؟!

Exit mobile version