Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

عن العدالة الضريبية حدّثوني..

محمد عفري
منذ أواخرأبريل 2013، تاريخ المناظرة الوطنية الثانية للجبايات ومسامعنا يشنفها شعارٌ رنّانٌ، يتغنّى بتحقيق العدالة الضريبية، أو الإنصاف الضريبي.
إلى حال سبيلها، ذهبت حكومةُ بن كيران التي انعقدت في عهدها هذه المناظرةُ بحضور وزراء وخبراء دوليين ومهندسين في “التضريب” وفي “صناعة” المال والأعمال، وافتتحت بكلمة/ رسالة لكريستين لاغارد التي كانت حينها مديرةَ النقد الدولي، ولا عدالة ضريبية تحققت على أرض الواقع، وحلّت حكومةُ سعد الدين العثماني وانعقدت في عهدها المناظرةُ الوطنية الثالثة للجبايات (2019) وانتهت صلاحيات هذه الحكومة وظل الشعار الرنان نفسه يشنِّف المسامع، ولا عدالة ضريبية تحققت.
جاءت حكومةُ أخنوش قبل قرابة شهر لتجد بين يديها مشروعا للمالية مهذَّبا “مشذَّبا” مفصلا على المقاس، صادرا عن قسم “الهندسة” المالية، بمعنى مديرية الميزانية، وبدت من أول نظرة، ثوابتُ هذا المشروع خاليةً من الإنصاف الضريبي، إن لم تكن متشبثة بالضريبة المتنوعة على المواطن، بصفته عَصَب الاستهلاك والمردودية في آن واحد، حيث ظهرت ضرائبُ جديدة على مواد استهلاكية ضرورية في حين استمر “التضريب” يجعل من الأجراء والمستخدمين عمادَ إجماليِّ الضريبة..
حينما نقول ألا عدالة ضريبية تحققت، لا نرمي الكلام على العواهن أو نكيل الضغينة للحكومة أو لمهندسي الضريبة في وزارة الاقتصاد والمالية، وإنما نستخلصه من وضْع المغرب الضريبي بأعين المنظمات الدولية والتكتلات الاقتصادية العالمية الكبرى، ومن استمراره لسنوات ضمن اللائحة الرمادية، (الأقرب إلى السوداء) للملاذات الضريبية للاتحاد الأوروبي، إلى حدود شهر فبراير الأخير (2021). ووجودُ المغرب ضمن هذه اللائحة الرمادية لـ”التهرب الضريبي” طوال سنوات، يعني وجوده ضمن الدول والمناطق غير المتعاونة في المجال الضريبي، فأي عدالة ضريبية أو إنصاف ضريبي أمكننا القول، أو الحديث.
في فبراير الأخير، حينما صادق وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي على تحيين لائحة الدول والمناطق غير المتعاونة في المجال الضريبي واضعين المغرب خارج اللائحة الرمادية للملاذات الضريبية، تشدقت الحكومة حينها، مرة أخرى، قولا إنّ خروج المغرب من اللائحة الرمادية، إنما يعكس الإصلاحات التي نفذها في المجال الضريبي من أجل الملاءمة مع الشروط الأوروبية والدولية بعدما التزم بتحيين أنظمته الضريبية مع مجمل مبادئ الحكامة في التضريب. خلاصة المعنى من هذا القول، فيه تأكيد على أن الحكومة أو الحكومات المتعاقبة ودوائر القرار، كانت كلها على علم تام بأن المغرب ظل بلاد التهرب الضريبي، ولا مجال للحديث عن عدالة ضريبية أو عن تحكم في عدد المتهربين والمتملصين، وبالتالي لا إمكانية كانت (وتظل) لمحاسبتهم ماليا أو قضائيا.
حينما نقول ألا عدالة ضريبية تحققت، نستخلصها أيضا، وبكل وضوح، من عدم الإنصاف الذي ظل يلازم الضريبة على الدخل، وإلا كيف نفهم مثلا، أن المهنيين غير الأجراء لا يؤدون سوى 5 في المائة، فيما يؤدي الأجراء والموظفون 95 في المائة المتبقية من هذا الإجمالي. وكيف نفهم في مَثل آخر أن 33 في المائة من إجمالي الشركات المغربية هي مَن تعلن في بياناتها المالية السنوية عن تحقيق أرباح و73 في المائة من هذه النسبة المقاولاتية الضئيلة تؤدي الحد الأدنى من الضريبة على الدخل، أو كيف نفهم، في مَثل ثالث، أن 80 في المائة من مصادر الضريبة على القيمة المضافة مصدرها 1.6 في المائة فقط من الملزمين بالأداء في هذا النوع الضريبي.
إن كان بمشروع قانون مالية 2022 إشارات واضحة على استمرار عدم الإنصاف الضريبي، فإننا نستخلص الأقرب منه في الضريبة على “أهم” الممارسين في كرة القدم الوطنية، ويكفي أن نذكر أن “المشرّع”، متَّع لاعبي ومدربي كرة القدم بالتزام ضريبي تدريجي يستمر إلى2027، فيه تفضيل وعدم الإنصاف، على الرغم من أن أقل المدربين المغاربة يتقاضى، ما بين 10 و 18 مليون سنتيم شهريا، منها ما هو مصرح به وما هو في باب “تحت الطاولة”، أو “النوار”، وعلى الرغم كذلك، من أن أقل لاعب في المهارة والإبداع الكروي يتقاضى راتبا شهريا لا يقل عن مليون سنتيم شهريا ومنحة توقيع بأرقام فلكية، تتراوح بين مائة وثلاثمائة من الملايين من السنتيمات. أين العدالة الضريبية هنا، إن علمنا أن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، هو في نفس الوقت رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم..

Exit mobile version