Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

عيد العرش أو الرموز التي نحيا بها

يحتفل الشعب المغربي اليوم السبت بعيد العرش المجيد، وهو ذكرى تولي جلالة الملك محمد السادس للملك في المغرب وتربع عرش أسلافه الميامين، واختار جلالته الالتزام بالإجراءات الاحترازية المقررة قانونا، حيث تم تخفيض أشكال الاحتفال والاقتصار على الضروري منها، وإذا كان عيد العرش بالنسبة للدولة في المغرب هو لحظة يقتسم فيها جلالة الملك هموم البلاد مع شعبه بشكل مجمل ودون تمييز بين فئة أو أخرى، فإنه بالنسبة للمغاربة شكل من أشكال “الرموز التي نحيا بها”.
صدر للباحثين الأمريكيين “جورج لايكوف” و”مارك جونسن” قبل عشرين سنة كتاب “الاستعارات التي نحيا بها”، يصل إلى خلاصة مفادها أنه ليس فقط بالخبز وحده يعيش الإنسان ويحيا ولكن بالاستعارات والرموز المحيطة بنا. ونقول إنه ليس فقط بمقومات الدولة والحياة السياسية نحيا ولكن أيضا بالرموز، ودون رموز لن تنفع القضايا التي ذكرنا.
لا يمكن أن يضمن المجتمع الاستقرار فقط لأنه يعيش شكلا من أشكال الديمقراطية، وهي أشكال متعددة اختار منها المغرب ما يوافق خصوصياته وقيمه المحلية، ولأنه يعرف مسارا حقوقيا يرتكز على الحقوق الأساسية للمواطن ولأنه يتوفر على مؤسسات، ولكن يضمن الاستقرار بوجود الرموز الضامنة لا ستمرار المؤسسات. طبعا هذا لا يقلل من فضائب الديمقراطية وحقوق الإنسان والمؤسسات المنتخبة، ولكن لابد من الرموز الذي تضمن استمرار المؤسسات، التي يسميها البعض الدولة العميقة، أي المؤسسات التي لا تنهار عندما ينهار كل شيء وتبقى هي قطب رحى الدولة ومحور المجتمع.
عيد العرش واحد من رموز المغرب التي بها يحيا. كما توجد رموز أخرى خارج المؤسسات بل هي سبب بقاء المؤسسات واستمرارها وتجددها بل انفتاحها على العالم دون أن تفقد خصوصيتها المحلية، ويكفي أن نذكر أن المجتمع انقسم حول قانون الأسرة المؤطر لحياة المجتمع، فتدخلت إمارة المؤمنين، التي هي من أبرز الرموز التي يحيا بها المغاربة لتحسم الجدل، ويسمع لها الجميع ولا يمكن أن توجد مؤسسة يجمع عليها الخصوم والفرقاء إن لم تجسد رموز المغرب.
في حقبة الحماية كانت الحركة الوطنية مصرة على الاحتفال بعيد الجلوس (عيد العرش) تجسيدا للرمز الذي يوحد المغاربة حول قيمهم، التي تمثل الرجولة والعنفوان ورفض الظلم والاستعمار أسسها المركزية.
اختلف المغاربة حول كل شيء، حيث يمكن وصفهم بـ”كلها يلغي بلغاه”، سواء كانوا أفرادا أو تنظيمات سياسية، لكن اجتمعوا حول الرموز، ولهذا لا يدخل عيد العرش ضمن الأعياد التي تخلد أحداثا معينة، لأنه ذكرى للرموز التي نحيا بها، فهي تتجاوز حتى الأدوات الحديثة والمستجدة وتتعالى على التاريخ وتمثل الرابطة التي تجمع الملكية بالشعب، فوق كل أدوات الاختيار إذ أن الأمر يتعلق ببيعة تقيد الملك بخدمة الشعب وتقيد الشعب بالدفاع عن الملكية وعن الدولة والمجتمع والأرض والعرض في كل وقت وحين وخلاف ذلك هو خيانة ليس فقط للقوانين ولكن لما هو أرفع وأرقى من القوانين، أي البيعة/الرمز.

Exit mobile version