محمد عفري
يحل الأحد المقبل، فاتح ماي الذي ارتبط منذ 1908 بأوضاع العمال وأحوالهم، وأصبح له مسميات أفضلها “عيد العمال”و” فاتح ماي”، وأقبحها “عيد الشغل” بصفته بدعة “تعبيرية” في “تيرمينولوجيا” ثالوث النقابة والشّغّـيل و”البّاطرون”.
الجديد في فاتح ماي المغربي هو الإعلان الرسمي لأولى المركزيات النقابية في تاريخ المغرب عن “مقاطعة” هذا اليوم العمالي العالمي. الاتحاد المغربي للشغل الذي تأسس في 20 مارس 1955 برر هذه المقاطعة بداعي تزامن فاتح ماي مع عيد الفطر واحترام تدابير الوقاية من كورونا وتداعياتها.
ومتى كانت الـ UMTفي عهد زعيمها الراحل بن الصديق أو خلفه موخاريق تضرب الحساب لـ”تداخل” الأزمان، وهي التي ظلت تستغل فاتح ماي، وتجعل منه يوما للاحتجاج على الرغم من أنه يوم لتعبير مختزل لأوضاع عام بالكامل من كدح العمال في يوم واحد
المعروف أن المغرب دخل منذ مدة، مرحلة العلامة الخضراء لوباء كورونا، وهي العلامة التي أشرت بها المنظمة العالمية للصحة على الوجود الفعلي للمغرب، بالمنعطف الإيجابي جدا لمواجهة هذا الوباء، سواء من حيث التدابير الوقائية أو من حيث العلاج الذي يضمنه تلقيح المواطنين بالقدر الكافي. المعروف أيضا أن مرحلة العلامة الخضراء، تفسر نجاح المغرب في مواجهة كوفيد 19، بتلقيح قرابة 80 في المائة من المواطنين بالجرعتين الأولى والثانية، وتحقيق المناعة الوطنية(الجماعية)، وحتى “الكمامة” التي ظلت إجبارية في الوقاية ضد الفيروس، فإن العديد من الأخصائيين في طب المناعة والفيروسات أشروا على قرب التخلي عنها بقرار.
المعروف ثالثا، أن “الميلودي” الذي تحجج بـ”مقاطعة ناعمة” بكورونا، سقط في النقيض، حين رصدته الكاميرا يتفرج على مقابلة الوداد وشباب بلوزداد، برسم ربع نهائي عصبة الأبطال الإفريقية، السبت الأخير وسط الجمهور الذي ملأ كل جنبات مركب محمد الخامس بقدر فاق الخمسين ألف متفرجا، دون مراعاة لكورونا وتداعياتها أو دواعي الاحتراز منها.
ما هذا “التناقض” في المواقف والمبررات إذن؟
ففاتح ماي رمز أممي اجتماعي مشترك لا يمكن الاتجار فيه بجرة قلم أو قرار” ضبابي” إلى حد ما.
هذا اليوم، للتذكير، عيد عالمي يخلد لذكرى موت عدد من العاملات الأمريكيات حرقا بأحد المعامل. الاحتفال به في بدايات القرن الماضي كان فقط، تخليدا لذكرى هؤلاء الضحايا على الصعيد المحلي، قبل أن يأخذ صفة الأممية، ليتم فيما بعد إقراره يوما عالميا للعمال في كافة بلدان المعمور. الغاية منه واضحة ومحدودة طبعا، فهو مناسبة للتعبير بكافة الأشكال القانونية، من تنظيم تجمعات جماهيرية وإلقاء خطابات ورفع شعارات ويافطات، للتعبير عما يشغل بال العمال، وهو ليس يوما للاحتجاج بتاتا.
حقيقة موخاريق وهو يحج إلى مركب محمد الخامس في وجود عشرات الآلاف من الجمهور دون مراعاة لكورونا إذ داك، يعلم أن النقابات، ونقابته من بينها، لم تعد على تلك “القوة” و لا على تلك الثقة الموضوعة فيها لتجمع مثل هذا العدد من الحشود، بعد أن تسببت البيروقراطية في تشتيت مريديها.
ليس حبا في الوداد أن يحج الميلودي إلى المركب الرياضي، دون خوف من كورونا إن كان الوجود بالقرب من “مسؤول” الوداد و”أعيان”هذا الفريق والباقي من كبار المال والأعمال المتيمين بحبه قد حجوا كذلك، إلا والمناسبة، حسب عارفين بخبايا الأمور، كانت مواتية لجبر خاطر”أرباب” هذا الفريق المحسوب على الجرار وليساوي بين تقربه الشديد بحزب الحمامة الذي كان وقع مع رئيسه عزيز أخنوش قبيل انتخابات 8 شتنبر الأخير، اتفاقا لا معنى له ولا سياق في أدبيات وأعراف النقابات، في علاقتها مع الأحزاب، أكثر من علاقاتها مع الأشخاص ذوي النفوذ الاستثماري، أي الباطرونا، باعتبار أنه اتفاق بين النقيضين، خصوصا إذا علمنا أن أخنوش يمثل رأسمالية جشعة كما يمثل”تجمعا للمصالح الكبرى”، التي يهمها الربح.
باختصار، يبقى فاتح ماي، عيدا للعمال، لا حق لنقابة أن تصادره منهم بمسببا ت جعلها الميلودي حلال عليه وحراما على الكادحين .فالعامل عامل حتى لو كان رب العمل ينتمي للرأسمالية الوطنية، وعلى النقابة أن تبقى في صف العامل لا مع “الرأسمالية” فالاصطفاف إليها يعني شيئا واحدا هو بيع النقابة، والسلام..
فاتح ماي من دون UMT ! !
