Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

فحشَنَة الثّقافة أو ثقافة الفحشاء

محمد فارس
في سنة (1975) استدعى الرئيس المصري [أنوَر السّادات] العالم والمفكر والأديب [مصطفى محمود] إلى القصر الرئاسي، وعَرض عليه منصب وزير الثقافة، ولكن الدكتور [مصطفى محمود] رفض هذا المنصب، لأنّ وزارة الثقافة هي وزارة ليست بالسهلة، واعترف الدكتورُ بأنه لا يملك القدرات والمؤهلات، وأن هذا القطاع يُعْتبر من أهمّ وأبرز القطاعات في الدولة، وحتى لا يغضب منه الرئيس، قال الدكتور [مصطفى محمود]: [يا فخامة الرئيس، أنا فشلتُ في تسيير أُسرتي الصغيرة، فكيف لي أن أنجح في تسيير أُسرة الثقافة في بلدي!] فضحك الرئيس وأعفاهُ مِن تولّي هذا المنصب الخطير والحسّاس.. وفي سنة (2017)، اقتَرح الرئيس الأمريكي [ترامب] وزارة الثقافة على النجم والممثل الشّهير [سِيلْفيسْتر ستَالون]، لكنه رفض، ورأى أنه ليس الرجل المناسب في المكان المناسب.. وفي سنة (2018)، اقترح الرئيس البرازيلي منصب وزير الثقافة على الممثّل الكبير [ڤاغْنير مورا] لكنّه رفض هذا المنصب وقال إن هذه الوزارة ينبغي أن يتولاّها فيلسوف أو مفكّر كبير لأهمِّيتها، وكان الرئيس البرازيلي على وشك إلغاء هذه الوزارة لعدم وُجود رجل كُفء يتولّى مسؤولية تدبير شؤونها لوْلا مُعارضة بعض الأحزاب والمنظّمات الثقافية في البلاد..
أما عندنا في [المغرب]، فانظُر إلى من تَولّى منصب وزير الثقافة، هذا الوزير الذي كان مغمورًا ولم نَسْمَع أنّه أَلّف كُتبًا أو ألقَى محاضرةً أو له باع في ميدان الفكر والثقافة كما أنّه مسؤول أيضًا عن ميدان الصحافة والاتّصال ولم نَقْرأ له ولو مقالاً واحدًا في جريدة وطنية أو دولية، وأنت ترى إلى أيّ مستوى من الرّداءة نزل بالقطاعيْن معًا إلى الحضيض، لأنّ رئيس الحكومة الذي ولاّه هذا المنصب، ليس رجلَ فكرٍ وثقافة، ولا هو سيّد قلَمٍ وصحافة، بل إنّه لا يَعْرف معناهُما ولا يقدّر أهميتهُما، فهو رجل تجارة ومحروقات، وقد حذّر [نيتشه] من هؤلاء، لأنّهم يسيرون بالأُمم إلى الخراب والدّمار.. لقد سبق لنا أن تحدّثنا عن الثقافة، وحدَّدنا مفهومها لغةً واصطلاحًا كما حدّدَه فلاسفة ومفكرون، وسنرى مرّةً أخرى معنى الثقافة عند فلاسفة آخرين، وإن كانوا لا يختلفون إجمالاً عن السّابقين في تحديد معنى الثقافة ودَوْرها في المجتمعات، وسنتفادى التكرار حتى لا نعيد ما قلناه في مقالة سابقة، فما هي الثقافة؟ دَعْنا أولاً نحدّد معنى الثقافة في اللّغة: يُقال: ثقف الرجل ثقافةً، أيْ صار حاذقًا، وثقفت الشيءَ أيْ حذقته، والرجلُ المثقف: الحاذقُ الفَهم، وغلامٌ ثقف أيْ ذُو فطْنة، وذكاء، والـمُراد أنّه ثابتُ المعرفة بما يحتاج إليه..
وما هو دوْرُ الثقافة في الأمّة؟ من شرط الثقافة، أن تؤدّي إلى الـمُلاءمة بين الإنسانِ والطبيعة، وبينه وبين المجتمع، وبينه وبين القِيم الروحية والإنسانية.. وإذا دلّ لفظُ الثقافة على معنى الحضارة كما في اللّغة الألمانية، كان له وجْهان: وجْه ذاتي، وهو ثقافة العقل؛ ووجْه موضوعي وهو مجموع العادات، والأوضاع الاجتماعية، والآثار الفكرية، والأساليب الفنّية والأدبية، والطّرق العِلمية والتقنية وأنماط التّفكير، والإحساس، والقيَم في مجتمع معيّن، وهذا ما فعله وزيرُ الثقافة السّيد [بنسعيد] عندما دعّم مغني [الرّاب] بما يناهز ستّة مليارات من أموال الشعب، فتغوّطَ هذا المغنّي على البلاد، وعلى قيَمها، وخدَش الحياء، وفاهَ بألفاظ ساقطة، وكان يغنّي وبيَدِه زُجاجة الخمر، وفي الندوة الصحفية، دافع عن الحشيش والمخدّرات، ممّا يبيّن أن هذا [Rappeur] يخدُم أجندات هدّامة، ولعل وزير الثقافة متواطئ معه في عمله التّخريبي.
وهنا نودّ أن نطرح سؤالاً، وهو: متى كانت وزارةُ الثقافة تنظّم مهرجانات موسيقية صاخبة؟ ما علاقة [الرّاب] بالثقافة في أيِّ بلدٍ كان؟ أسئلة نطرحُها على رئيس الحكومة، وما الجدوى من طرح هذه الأسئلة على رئيس حكومة خصّص مليارين لبناء ملجَإ للكلاب الضّالة، وتركَ مواطنين أُخرجوا من بيوتهم ليَبيتوا في العراء، ووزيرهُ في الثّقافة خصّص لمهرجان [الرّاب] ستّة ملايير من أموال الشعب الذي يعيشُ أزمات مَحروقات، وجوع، وعطش، وأمراض، وتهجير؟ فالسيد [أخنوش] أوفَى بوعدٍ واحد كان قدْ وعدَنا به عندما قال إنّه سيُعيد تربيتنا، وقد ربّانا فعلاً، ووزراؤُه كلّهم يساهمون في تربيتنا كلٌّ من موقعه، وقد رأيت ما يحدث في الصّحة، والتعليم، والآن تساهم وزارة الثقافة في إشاعة الفحشاء والرّذائل..

Exit mobile version