Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

قانون جديد لإعادة تنظيم الصحافة يثير الجدل… وتهميش «الناشرين» يُعمّق الأزمة

في خطوة وُصفت بـ”الإصلاح التشريعي الصامت”، صادقت الحكومة، خلال مجلسها الأسبوعي المنعقد اليوم الخميس بالرباط، على مشروعي قانونين يهمان إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وتعديل النظام الأساسي للصحافيين المهنيين. غير أن ما يفترض أن يكون تتويجًا لمسار تشاركي لتأهيل القطاع الإعلامي، تحوّل إلى مثار جدل واسع وسط الجسم الصحافي، بعد أن طفت إلى السطح مؤشرات على تغييب مكون أساسي من الفاعلين، وعلى رأسهم الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، أحد أعرق التكتلات المهنية في البلاد.

البلاغ الحكومي الرسمي تحدث عن “تعزيز استقلالية المجلس الوطني للصحافة وتحديث الضمانات المهنية”، غير أن أوساطًا داخل القطاع الإعلامي انتقدت ما وصفته بـ”المنهجية غير التشاركية” التي وُضع بها هذا النص، مشيرة إلى أنه تم إعداده “في شبه سرية تامة” دون فتح مشاورات موسعة مع المكونات المهنية الرئيسية، وفي طليعتها الفيدرالية التي تمثل شريحة واسعة من ناشري الصحف الورقية والإلكترونية.

مصادر مهنية مطلعة أكدت لـ”أشطاري” أن وزارة الشباب والثقافة والتواصل لم تعقد أي لقاءات رسمية موسعة مع الفيدرالية قبل عرض المشروع على مجلس الحكومة، ما أثار استغرابًا واسعًا في أوساط الفاعلين الإعلاميين، خاصة أن الهيئة كانت شريكًا فاعلًا في جميع المحطات السابقة المتعلقة بإصلاح الصحافة، منذ إقرار مدونة الصحافة والنشر عام 2016.

وكان من المقرر أن يعقد الوزير محمد المهدي بنسعيد ندوة صحافية مساء الخميس لتقديم توضيحات حول فحوى القانون الجديد، غير أنه تم تأجيلها في آخر لحظة دون إعلان الأسباب، مما زاد من غموض المشهد، وفتح المجال أمام تساؤلات حارّة حول الخلفيات الحقيقية لهذا التأجيل، وهل يرتبط بالاحتجاجات الصامتة التي بدأت تتشكل داخل القطاع.

وتقول مصادر متابعة إن مشروع القانون الجديد أُعدّ بشكل شبه مغلق داخل دوائر الوزارة، مع الاستناد إلى تقارير اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة، دون أن يُعرض نصه على النقاش العمومي أو يُفتح باب الاقتراحات من طرف الفاعلين المهنيين، في سابقة غير معهودة في مسار إصلاح القوانين المؤطرة للصحافة في المغرب.

وتأتي هذه التطورات في وقت حساس تشهده الصحافة المغربية، في ظل تنامي التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي، وضغوط التمويل، وتراجع الثقة في الوسائط التقليدية، وهي عوامل تجعل أي تعديل قانوني ذا حساسية مفرطة. وبينما تؤكد الحكومة أن الهدف هو “تحصين أخلاقيات المهنة وضمان استقلالية التنظيم الذاتي”، يخشى كثيرون أن تتحول هذه النصوص إلى آلية تنظيم إداري أكثر منها تعبيرًا عن إرادة مهنية حقيقية.

بعيدًا عن الجدل المهني، تطرح هذه الخطوة تساؤلات أعمق حول طبيعة العلاقة بين الحكومة والصحافة، في ظل سعي السلطات إلى “تنظيم” المشهد الإعلامي دون المساس بجوهر حرية التعبير. ومع تسارع الأحداث، يتخوف البعض من أن تتحول قوانين الصحافة الجديدة إلى مجرد أدوات لتدبير القطاع من الزاوية التقنية، بدل أن تكون مدخلًا لتعزيز استقلالية الصحافيين، وشفافية الدعم العمومي، وتكافؤ الفرص بين المؤسسات.

وفي انتظار عرض النصوص القانونية على البرلمان، تظل مكونات القطاع تترقب ما إذا كانت الحكومة ستفتح باب النقاش الفعلي حول تفاصيل هذه النصوص، أم أن ما جرى هو بداية مرحلة جديدة من “الضبط الناعم” للصحافة، في زمن لم يعد فيه الإعلام مجرد سلطة رابعة، بل أحد رهانات الأمن المعلوماتي والسيادة الرقمية.

Exit mobile version