Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

قصيدة للتّنويه ببرلمان غَيَّر دارَ لُقمان ورسَت سفينتُنا على برّ الأمان

محمد فارس

دوْر البرلمان في كلّ البلدان، هو تغيير دار لُقْمان، والإبحارُ بسفينة الأُمة إلى برِّ الأمان.. تلك أمورٌ لا يناقشها اثنان، لكنْ في بعض الأحيان، يكون هذا البرلمان هو السّبب في جَعْل الهمِّ، همَّيْن.. ذاك ما يَحدث في [المغرب] زَيْن البُلدان، حيث مرَّتِ السِّنونُ والأعوام، وتزايدتِ الأنفُسُ والأقوام، والمشاكلُ صارتْ بالأكوام، وراوحتِ الأُمورُ مكانَها على الدّوام.. فيكثُر الكلام في الصُّحف والمواقع، ويتصاعد الـمَلام، على نُوّابٍ بِلا إلمام، لكنَّ الخروجَ من هذه القبّة، ليس كالخروج من الحمّام.. لأنّ من الحمّامِ تَخرج نظيفًا، لكنْ في البرلمان تَفرغُ القلوب، وتمتلِئُ الجيوب وتَكْثر [الكذُوب]، لأنّ خَمْس سنوات كافية ليصْبحَ الأزرقُ داكنًا، والبرتقالي ذابلاً، والأصفر شاحبًا، والفانوسُ منطفئًا، والجرّارُ مجرورًا.. وطيلةَ خمس سنوات، تلتهب الأسعار، ويَغْرق المعطّلون أثناء الفِرار، في لُجَحِ البحار، فتُعْقَد الجلسات، وتشتدّ السِّجالات والمشادّات.. فتُركّز الكاميرات على القائم، وتتجنَّب النائم، وتمرّ على الصّائم الذي نَذَرَ لله صومًا، فلن يُكلّمَ إنْسيا، حتى يَجْعل جهتَه نَسْيًا مَنْسِيًا..
بعْدها تَصْدر قوانيـنُ خاصّة بالكبار، والتّجار، وبرجال الأعمال و(الأفعال)، ثم قوانين الذين يعانون، والذين يئِنّون، فتتوالى الاقتطاعات، ويُبْتَر الثُّلثُ من تعويضات المتقاعد، وهكذا، يَدور الزَّمن، ونؤدّي الثّمَن، ونَنْدَم على صوت كان بمثابة سَوْط.. وبَعْد التّلفيقات، تتعالى التّصفيقات، وتتوالى التّعليقات.. تِلكُم مشاهدُ صارتْ مألوفة، فعند التّرقيعات تَهْطل السّماء بأمطار التّشجيعات، فيظهر واحدٌ منهم على الشّاشة، ليَشرَح ببشاشة، وَضْعًا لا يخلو من هشاشة.. ومرّة أخرى، ها هو البرلمان الذي انطلق منذ زمان، وانقَسم طائفتان: فريق الأغلبية وعلى رأسه الإخوان، وفريق المعارضة والتقى الجَمْعان.. شُكِّلتِ الفُرق، ووُضِعت الطّرق، وشُدَّت الحِبال، لكن أين هو النِّزال؟ فكالعادة، كلّ الفرق هالكة، إلاّ واحدة: أهل الدّعوة إلى الله.. وها هي على وشْك أن تنتهي فترة، زادتِ الشّعبَ تذمُّرًا وحسرة.. ندمنا على سوء الاختيار، بعدما رَسبْنا في الاختبار، فصرنا نمطر حزبَ الفانوس عتابًا، ونتوعّدُه يوم الاستحقاق عِقابًا.. وسوف يُسْدل السّتار، بعد فترة كُنّا فيها في حالة احتضار بسبب ما صار.. سيصل القطار إلى منتهاه، وسينزل القائم، ويتثاءبُ الصّائم، ويستيقظ النّائم، وقد خدم بنومه وطنه، فلا يخشى في ذلك لومة لائم.. لكنْ منهم من يأخذه الحنين لحَجْز تذكرِة أخرى في قطار البرلمان، لكنْ ما هو السّبيلُ للعودة إلى ذلك الجنان؟
لكنْ ما هو ثمن التّذكرة؟ ثَمنُها صوتُ ناخبٍ، خائبٍ، بلا [تَذْكرة].. ستُفْتَح سوقُ النخاسة، وسوقُ الذِّمم والرقاب بالجملة قُبَيْل الحملة، ومن المترشّحين من سيتَمنطق بالشُّكارة، ليدفعَ سِرّا [الكفّارة].. ومنهم من سيستخدِم آلة الدّين، وسيبشّر بالفردوس في الآتي من السّنين، وسيوظّف كذبًا أحاديثَ خيْر المرسلين.. ومنهم من سيوزّع الأضاحي في كل الضّواحي، فتقام الموائدُ الخضراءُ نهارًا، والحمراءُ ليلاً، فيسيل المالُ سيلاً، فتميل الكفّةُ [الحاتميةُ] ميلاً، لتصبح في ما بعد على السّذج خَيبةً وويلاً. ثمّ يكيدون، وكعادتهم كيدًا، ويَبدأ العقابُ رُويدًا، رويدًا.. وهكذا، وككلّ مرّة، تمثّلُ الملهاة، وتتكرَّر المأساة، وتُفْتَح العُلَب، فيَخرجُ منها العَجَبُ العُجاب.. فالبرلمانُ مقرُّهم، والانتخاباتُ مِهْنتُهم، والضحكُ على الذّقون مُهمّتهم.. وهل هناك مهنة أسْهل من رفْع البنان في قبّة البرلمان؟ هل هناك جنّة فيها راحة، ولذيذُ طعام، وفاكهةٌ ورمّان، وجنَى الجنّتيْـنِ دَانْ؟
لكن من حقّكَ يا برلماني، أن تعودَ إلى القبّة لخدمة الوطن بأبهظ الأثمان.. من حقِّكَ يا برلماني أن تَنعَم بحصانة، ومكانةٍ، وبراتب يساوي الشّيء الفُلاني.. يا من أكَل اللّحمَ، وادَّخر الشّحمَ، وبالعظم رماني… يا من فاز غصبًا عَنّي، وحقّقَ لشخصه ثميـنَ الإنجاز، ومن كأس المرارة سقاني، يا مَن كان صوتي له، وفي القبّة ظلّ صوتُه عليَّ، وبرفع الأصبُع طيلة السِّنين أشقاني.. تدخّلاتُك في الجلسات مَللتُها، ووعودُكَ ألفتُها، وخُطبُكَ حلّلتُها، فوجدتُها خالية من المعاني.. حتى اللّغة العربية منك اشتكتْ، وانتحر الإعراب، وأضربَ النّحو عن الطّعام، وقالتْ [إنّ] لأخواتِها صبرًا جميلاً يا إخواني.. فنُصِب الفاعل، ورُفِعَ المفعول في تدخّلاتِكَ، واعتصَمَ المبني للمجهول، أمّا حرف الجرّ فقدِ احتار واستغاث: من يُنقِذني من هذا التّصرف الصِّبياني؟ قالت اللّغةُ: أين اختفتْ بَلاغتي، أين هي قواعدي وأصولي ونحوي، أين راح بياني؟ قلْ: اِصبري يا لغة الضّاد، أمام هذا الهجوم المضادّ، هذا قَدرُنا جميعًا في زمن صار فيه الوصولي العامّي يلعب دوْرَ البرلماني.. اِصبري، وثابري، فلسنا بأحسن منكِ، بل حتى خزينةُ الأمّة تكابد وتعاني.. فحالُ الأمّة لم يَعُدْ يَخفى عن القاصي والدّاني.. لن أصوّتَ عليكَ يا برلماني، امتطيتَ ظهْري سِنينًا، ولـمّا وصلتَ تركتَني في أرض قاحلة لوحدي أعاني.. لن أختاركَ ثانيةً، وبالدّليل سأرفعُ عنكَ سِتارك، فأحوالي، وأحوال أمّتي، وأهلي، ومنطقتي، وسَهْلي، هي برهاني.. فلن نُلدَغَ من جُحْركَ مرّتين، ذاك ما حذَّرَ منه زَيْنُ الأديان..

Exit mobile version