محمد فارس
نحن كذلك، على غرار بُلدان “البيترودُولار”، أصبحتْ لنا قنوات تلفزية عَبْر الأقمار.. و[سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مُقْرنين].. فبعد جمهور وطني تعدادُه (34) مليون مشاهد، صارت برامجُنا تصل إلى ملايين العيون الـمُدْمنة على [أفيون التلفزيون].. لكن، هل تطوّرتْ قنواتُنا عبْر السّنون؟ الجواب: كلاّ! إِذن تعالَ نُلقي نظرة نقدية عمّا يلقاهُ المشاهدون، وما يعانونه من تلفزيون مَغْبون.. والواقع، أن الوضعَ التّلفزي في بلادنا ذو شجون، ولم نَهْتدِ بعدُ إلى حلٍّ لهذا المشكل الملعون، لأنّ هذه القنوات المغربية استحالتْ إلى مِلكيات شخصية، وليس للمواطن رأيٌ في هذه القضية؛ صارت هذه القنواتُ الوطنية، وكأنّها محمية لكائنات تمّ إنزالُها عبر إنزالات مِظلّية، وليس هناك من يستطيع اقتلاعَها مهما جدّ في العملية..
في الواقع، لنا علماء أجلاّء، وأُسْرة أدباء، وأساتذة كُرماء، لكنّنا لا نراهم في تلفزة ظلّتْ في سيطرة الدُّهماء.. صحيح، لنا أُسرة فنّ، لكنّنا نرى فقط مروِّجي [العَفَن]، وفنّانُنا الحقيقي لا نَعْرف عنه أشياء إلاّ بعد موته، فيكرِّمه [الخوت]، وتَظهَر متاعبُه التي كانت مَخفية مع كسْب القُوت.. وحتى إذا حدث خطأ في التلفزة، وشاهدْنا عالـمًا، أو أستاذًا، أو أديبًا، أو فنّانًا أصيلاً، فإنّنا لا نشْبع من كلامه، ولا نستفيد من علِمه ولا نتمتّع بفنّه، ولا نستمتع بصراحته، لأنّه لا يتكلّم على راحتِه، بل كلّ ما نسمعُه، مذيعٌ عجيب، يستجوب، ويسأل ويجيب، ويقاطع، ويُناطِح، ويُعَرقل، ثم يختم حلْقةً تلقّى فيها الضّيفُ [عَلْقَة]: [نظرًا لضيق الوقت.. فإلى أجل قريب].. لكن في الشّيخات ومشاهِد [الـمُوسُوخَات]فما أطوَل السّهرة، وما أتعس [القَهْرة]!
أما في مجال الأخبار، فإنّهم يولّون الأدبار، ولا يجودون علينا إلاّ بأحوال بعض الأقطار، التي تتناقلها الوكالاتُ من كلّ الأمصار.. ولتبرير سوء حالِنا، فإنّهم يركّزون على قلّة الأمطار تارةً، وتارةً أخرى يتذرّعون بفيضان الأنهار.. أما الآن، فإنّهم يُلْقون باللّوم على [كورونا] وما خلّفتْه من أضرار.. لكن أبدًا، لا يتحدّثون عن لهيب الأسعار، فيستضيفون [طبّالاً] من [طبّالة] الحكومة ليقلّلَ من وطأة القرار، قائلاً إنّ الزّيادة طفيفة، ولن تكون لها أيّةُ آثار، ويَدْعمون كلامَ [الطّبال] باستفسارات يتحدّث فيها المواطنُ المحتار، فلا تسمع من كلامه إلاّ: [بخير، مَزْيان، المارشي اعْمار، وكُلّشِي مُعْتَبار].. أما عبارات التّذمر والاستنكار، فقد محاها صاحبُ المونتاج بمقصّ بَتّار.. ذاكَ ما عهدناه في تلك الدّار، وكل ما يتغيّر فيها، ألوانُ المساحيق، وموادّ الإشهار، والتّفاهات على مدار النّهار، وسخافات مَللناها لفرْط التّكرار..
لكن ماذا عن أخبار الجرائم، والاختلاسات، ومصائب الحياة والناس؟ هذه كلُّها يُسْدَل عليها السّتار، وكأنّ مجتمعنا خالٍ من الأشرار.. لكن قنوات الجار، تضع كلّ حادثٍ موضع اعتبار، وإلاّ فما دَوْرُ التّلفزة في عصر الأقمار؟ هل دوْرُ القناة هو نقلُ صورة لشيخة وهي تصدح بأغاني [البار]؟ فتراها وتسمعها تردّد بلا حياء: [نعاسي طار؛ أمُولاة العيون الكبار؛ رُدّي عليَّ الله يَهْديك، وباركة من التَّعْفار].. إذن، تفرَّجْ يا [ميسْتر]، وتَمتّعْ أنتَ و[المدام] بفنون ما وراء البحار.. تَفرّجْ على المؤخِّرة كيف تنسجم مع الـمِزْمار، والبطنُ كيف يُدار عبْر الأقمار.. فـ[مغربُ] الثّقافة، والفنّ الراقي الـمُحتشِم غشّاه الغُبار.. و[المغرب] الحقيقي ليس ما نراه عبر شاشة [التّكوار] أو كما يقال: [كوَّرْ، واعْطِ لَعْور].. فهذه البرامج، حَجَبتِ الحقائق وكأنّها جدار.. لكن هيْهات، قد تضحكُ على الذّقون، وتبذّر، كذا مليار على برامج تافهة، وحصص ساقطة، ومسلسلات عَفِنة، لكنْ لن تحجبَ الحقيقة ولو نسجَت ألف ستار.. ولو حشدت ألف شيخة وألف فنّانة مزيّفة، وألفَ [طبّال] فلن يُحْدثوا الإعجابَ أو يثيروا الانبهار.. وقبل الختام، نقول للمتطفّلين الذين تمّ إنزالُهم كالأقدار، على التلفزة، فأصابوها بالجمود وشتى الأضرار، اتْركُوا المكانَ لأناس الإعلام، الذين لهم خبرة، وتجربة، وإبداع، ويعرفون المهنة وما تخفيه من علوم وأسرار.. لقد ملّكُم المشاهد حتى اضطُرَّ إلى [الحريک] عبْر الأقمار.. فصام حتى على تلفزتكم، ويستمرّ صومُه حتى بعد الإفطار.. ولن أحدّثك عن كذا مليار أُنفِقَ على تلفزة يلعب فيها الصّغار.. ولن أذكّرك بكذا مليار أُنفقَ على برامج يخدعوننا بها وكما يُخدع الأطفالُ الصّغار.. ملايين تراقُ يوميًا تحت أقدام فنّانات فاشلات؛ ملايين تُجْبى من إضافات في فواتير الماء والكهرباء تَفرضها وكالات تديرها أوثانُ الاستعمار.. تالله ما هذا الذي يحدث في تلفزة، وما هذا العجب العجاب الذي لا تُخطئُه الأنظار في واضحة النّهار!
قنوات صامَ عنها الـمُشاهد ويستمر صومُه حتى بعد الإفطار
