Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

قُطِعَت يدُه اليمنى فحملَ الرّايةَ بيده اليسرى فقُطِعَت فحملَها بعَضُدَيه

محمد فارس
من هو هذا الفتى القادم بوجه جميل ولباس أنيق؟ من هو هذا الشاب فاتن حسان (مكة)، غُرة فتيان (قريش)، وأوفاهم بهاءً، وجمالا، وشبابا؟ يصف المؤرّخون والرّواة شبابه، فيقولون: كان أعطر أهل (مكّة)، وُلد في النعمة، وغذّي بها، وشبّ تحت خمائلها.. ولعلّه لم يكن بين فتيان (مكّة) من ظفر من تدليل أبويه بمثل ما ظفَر به هذا الشاب الوسيم: فمن هو إذن؟ إنه [مُصْعب بن عميْر]، ذلك الفتى الريان، المدلّل، المنعّم، حديث حسان (مكّة) ولُؤلؤة ندواتها ومجالسها، أيُمكن أن يتحوَّل إلى أسطورة من أساطير الإيمان والفداء؟ بالله ما أروعه من نبإ، نبإ [مصْعب بن عمير]، أو كما لقّب بـ[مصعب الخيْر].. كانت أمّه [خُناس بنت مالك] تتمتّع بقوة فذّة في شخصيتها، وكانت تُهاب إلى حدّ الرهبة، ولم يكن [مصْعب] حين أسلم يخاف أحدًا غير أمّه على ظهر الأرض.. وقف أمام أمّه، وبدأ يتلو القرآن، فهمّت أمُّه أن تُسْكتَه بلطْمة قاسية.. فحبستْه، وأحكمت عليه الإغلاق في ركن، فغافلها، وحُرّاسها ومضى إلى (الحبشة) مُهاجرًا أوّابًا..
خرج يومًا على بعض الجلوس المسلمين، وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فما أن أبصروا به حتى حنوا رؤوسهم، وغضّوا أبصارهم، وذرفت عيونهم دمعًا شجيًا.. ذلك، لأنهم رأوه يرتدي جلبابا مرقّعًا، باليًا، وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه، حين كانت ثيابُه كزهور الحديقة نُضْرةً، وألَقًا، وعطْرًا، وتملّى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة، محبّة، وتألّقت على شفتيْه ابتسامته الجليلة، وقال صلّى الله عليه وسلم: [لقد رأيتُ (مصْعبًا) هذا، وما بِمكّة فتى أنعم عند أبويْه، لقد ترك ذلك كلّه حبّا لله ورسوله].. لقد منعتْه أمُّه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. لقد أبت أمّهُ أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة، وحاقت به لعنتُها، حتى لو يكون هذا الإنسانُ ابنَها.. ولهذا المسلم الفتى أسطورة أخرى سجلها التاريخ بمداد من ذهب، وهي قصّته مع حمْله للرّاية حتى استشهد وهي بيْن منكبيْه؛ كيف ذلك؟
قصّة [مصعب بن عمير] رضي الله عنه، نسوقُها للجهلة الذين لا يعرفون قيمَة وقدسية العلم، وما يرمز إليه عند سائر الأمم بلا استثناء.. قصّة نسوقها للخونة الذين تحتضنهم [ألمانيا] الصليبية، وتسمح لهم بالإساءة إلى دولة ذات سيادة وإلى علمٍ مُقدَّس.. خلال غزوة [أُحد]، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط صفوف المسلمين، يتفرّس الوجوه ليختارَ مِن بيْنها من يحمِل الراية، فيدعو [مصعب الخير]، فيتقدم ويَحمل اللِّواء.. وتشبّ المعركة، ويحتدم القتال، ويخالف الرّماةُ أمر النبي الكريم، ويغادرون مواقعَهم في أعلى الجبل، وعملهُم هذا سُرعان ما يحوِّل نصْر المسلمين إلى هزيمة.. أدرك [مصعب] الخطر، فرفع العلم عاليًا، يدٌ تحمل العلم في تقديس، ويدٌ تضرب بالسيف في عنفوان، ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون إسقاط العلم حتى تخبُو العزائم، وتضعُف الإرادة، ولندَعْ شاهد عيان يصف لنا مشهد الختام في حياة [مصعب] الذي حرص على أن يبقى العلَم مرفوعًا:
يقول [ابن سعد] في كتابه [الطبقات الكبرى]: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه، قال: حمل [مُصعب بن عمير] الرايةَ يوم [أحُد]، فلما جال المسلمون، ثبتَ به [مصْعب]، فأَقبل [ابْن قميئَة] وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعَها، فأخذ [مُصعب] الرايةَ بيده اليسرى، فضربَ [ابنُ قميئة] يدَه اليسرى فقطعها، فحنى [مصْعب] على الراية، وضمَّها بِعَضُدَيْه إلى صدره؛ فحملَ عليه الثالثة بالرمح، فأنفذَه واندقَّ الرّمحُ، ووقع [مُصْعب] وهو يردّد: [وما محمد إلاّ رسولٌ قد خلتْ مِن قبله الرُّسُل] وإذا بقُرآنٍ يَنْزِل فيما بعدُ يردّدُ هذه الآية، فصارتْ قُرآنًا يُتْلى تكريمًا وتبجيلاً لشهيد الرّاية.. من هنا تظهر قدسية العلم، وقيمتُه في حياة الأمم خاصة إذا كان علمًا أحمرَ يرمز إلى دماء الشّهداء، وتتوسّطه نجمةٌ خماسية ترمز إلى الإسلام وأركانه الخمسة، وذاك هو علمُ [المغرب] عكْس أعلام توشّيها الصُّلبان، وهي أعلامٌ يحترمها الخونةُ والرّهبان؛ مثل أولئك الفجرة الّذين نزعوا العلمَ من فوق سفارة [المغرب] في [ألمانيا] الصليبية، وهو أمر ليس بغريب على [ألمانيا] التي أبلتِ البلاءَ الحسن ضدّ الإسلام والمسلمين خلال الحروب الصليبية، وعَرضْنا بتفصيل تاريخها الأسود، وما قامت به من اقتراحات لغزْو بُلدان إسلامية؛ ففي عام (1667) اقترح الفيلسوفُ الألماني [لَيْبنتَز] على [لويس الرابع عشر] مشروعًا لِغزْوِ [فرنسا] لِـ[مصر] وقدِ اهتمَّت [باريسُ] بالاقتراح اهتمامًا كبيرًا، ممّا أدّى إلى دعوة [لَيْبنتز] إلى [باريس]؛ وفي القرن (19) عثَر [نابليون] على هذه الوثيقة، وغزا [مصر] كما اقترح الفيلسوفُ الألماني.. [ألمانيا]، هذا هو تاريخُها، لا تقيم وزنًا لسيادة الدول ومقدّساتها، ولا أدلَّ على ذلك، هجومُها على أُمم أخرى سنتي (1914)، و(1939) وما صاحب ذلك من دمار..

Exit mobile version