Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كلمة تفرح وأخرى تغضب…اللباقة فاقت الأناقة

سناء البوعزاوي*

في النصف الثاني من القرن الخامس ظهر الفكر السفسطائي في اليونان، وكلمة “سوفيست” باللاتينية؛ تعني في الأصل “المعلم” في أي فرع من العلوم والصناعات، هاته الكلمة التي لحقها التحقير في عهد سقراط وأفلاطون بسبب مجادلة السفسطائيين المغالطة، وتجارتهم بالعلم؛ أي يتلقون المال مقابل تمريرهم للمعرفة، عكس سقراط في ذلك الوقت، فكانت غايتهم ليس البحث عن الحقيقة بل إتقان وسائل الإقناع والتأثير الخطابي، وكانوا ضليعين في مفاهيم الألفاظ ودلالاتها وملمين بسائر العلوم حتى يتأتى لهم الاستناد على الحجج والبراهين وفن الإقناع والتفوق في الجدل!
لا نحب في هذا المقال أن نغوص في أغوار الأسس الفلسفية القديمة، ولا تاريخ انتقال العقل من مرحلة الأسطورة والخرافة، إلى مرحلة العقل والعلم والمنطق؛ لكن أردنا أن تكون دباجة لفن الإقناع أو فن الكلام!… الكلام الذي يمارس قوته السحرية الإغوائية الذي يمكن تأثيره أن يتلاعب بالعقول والعواطف والنفوس.
فمجرد كلمة يمكن أن تفرحك ومجرد كلمة ممكن أن تغضبك، كلمة ممكن أن تدمرك وتضيق صدرك وأخرى ممكن أن تبعث فيك روحا جديدة مفعمة بفسحة الأمل…
بشكل عام، يجب على الإنسان إتقان فن الكلام، لأنه سيصاحبه طوال حياته، وسيحدد نوعية علاقته بالناس الذين سيقابلهم في عمله أو دراسته أو عائلته أو ما إلى ذلك…، ومن بين التوجيهات الأساسية لإنجاح الحوار وإتقان فن الكلام ببراعة، ينصح التدرب على إتقان مهارة الاستماع للطرف الآخر، وإظهار حس الإصغاء حتى يرتاح الإنسان الذي أمامك في تعبيره وإيصاله المعلومة لك، وهناك نقطة أساسية أيضا في فن الحوار هي الترفع عن مقاطعة المحاور، والمجادلة التي قد توصل الطرفين إلى الشجار! فلا حرج في إبداء رأي مخالف أو مناقشة فكرة أو وجهة نظر مغايرة لإقناع الشخص الذي تحاوره. فالخلاف لا يفسد للود قضية، خصوصا عندما يكون نقاشا للإقناع وليس لاستفزاز الطرف الآخر.
“تكلم، أقول لك من أنت”!، من خلال هاته العبارة نفهم أن طريقة الكلام أو فن الحوار يضفي طابعا خاصا على المتحدث ويعطيه “كاريزما” جذابة، خصوصا إذا كانت هاته الطريقة لبقة وسلسة، وكان الشخص مستمعا أكثر من كونه متحدثا وكان يفكر في الكلام قبل قوله وخصوصا في مواقف المواجهة أو الغضب، فترى الإنسان يتحدث تلقائيا دون أن يعير اهتماما لما يقوله في تلك اللحظة مما قد يرجع بالأسى والندم لما سيخلفه كلامه على الأنفس.
لذا من بين قواعد فن الكلام الذهبية هي التريث والتمهل للتفكير ثم بعد ذلك يمكن أن يجيب الشخص أو يواجه أي موقف برصانة ورجاحة عقل. ولا يفوتنا أن نتكلم عن وقع الثرثرة الكثيرة والتكلم في تفاصيل الأحداث في أدقها، ما قد يكون في أغلب الأحيان مملا ومنهكا للطرف الآخر المستمع، لهذا يجب الابتعاد عن التكرار وسرد الكلام الذي لا فائدة منه. فكما قلنا من ذي قبل يجب التحدث بما قل ودل ثم التريث والاستماع الإيجابي.
أما ما يجعل كلامك مؤنقا، مرتبا، محبوبا، حلوا، كالعسل ويدخلك قلوب الناس دون استئذان ودون مفتاح هو اللباقة في الكلام التي تتمثل في القدرة على تقديم الأخبار السيئة أو تقديم ردود الفعل الحرجة في مواقف مختلفة، بطريقة لائقة غير جارحة ولا مؤذية، فإذا استطاع الواحد منا تدريب نفسه على اللباقة في الكلام، يصبح بذلك شخصا طيب السمعة ذا مصداقية جيدة، فيبني بذلك علاقات متينة نزيهة مبنية على النضج العقلي.
فبالإضافة إلى أن اللباقة تساعد على تجنب العديد من المشاكل والصراعات فهي تعتبر عنصرا مهما جدا في المفاوضات التي تفضي غالبا إلى حل مناسب لكلا الطرفين، فتترك بذلك الأثر الطيب الذي يتبعك أينما حللت وارتحلت.
ومن بين قوانين اللباقة؛ احترام الأشخاص الذين تخاطبهم بغض النظر عن معرفتهم أم لا، فدائما تأكد أن الانطباع الأول هو الذي يبقى راسخا في ذاكرة من مر بحياتك، وهو الذي يطبع شخصيتك فيكون صعبا بعد ذلك شيئا ما، تبديل الفكرة الأولى والانطباع الأولي الذي رسم لك.
ثانيا كونك على طبيعتك سواء في التصرف أو في الكلام هذا التصرف يضفي عليك كاريزما فريدة وخاصة بك فقط، لكن عندما نقول طبيعيا لا يعني أن تتصرف بتهور أو بدون تفكير، فالإنسان كرم بالعقل وهو كنزه الذي يجب أن يستثمره لصالحه، فسلوكك يكون طبيعيا مهذبا، عقلانيا وغير مصطنع، وهذا السلوك يقودك أوتوماتيكيا لتكون صادقا وأن لا تنهج الكذب في كلامك فتفقد بذلك الاحترام والقبول عند انكشافك.
وبصفة عامة، إجبروا الخواطر وراعوا المشاعر وانتقوا كلماتكم وتلطفوا بأفعالكم وتذكروا حسن العشرة لكي لا تؤلموا أحدا وقولوا للناس حسنا لتعيشوا أنقياء وأصفياء، فهذا نهج الأنبياء وأخلاق النبلاء، فما أجمل الكلام الجميل، فبه يتسع صدرك للحياة ولا تنسى تاج الكلام الجميل الذي هو الابتسامة كما سلفنا الذكر في إحدى مقالاتنا السابقة، فهو الذي يدخل البهجة على من يحاورك، ويبعث فيه شعورا بالاطمئنان تجاهك، ويعزز حضورك وثقتك في نفسك، وأخيرا يمكننا القول في إطار الكلام والحوار، إن الإنسان يمكن أن يخطئ هذا شيء وارد جدا في حياة الفرد لكن القليل من له القدرة على الاعتذار، بل ويتمادى في خطئه، بسبب كلمة جارحة عن قصد أو عن غير قصد، لذا يجب علينا أن ننمي ثقافة الاعتذار لأنها تكسبك لباقة الكلام وصفاء القلوب تجاهك. ونختم بمقولة عربية مشهورة “لسانك حصانك إن صنته صانك”.

*كاتبة ومختصة في التنمية الذاتية وباحثة في علم الاجتماع.

Exit mobile version