Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف يتحدّث التاريخ عن الحركات الانفصالية والـمِليشيات الإرهابية؟

محمد فارس

يقول فلاسفة التّاريخ ويُجمعون بأنّه لا قيمة للتاريخ إلاّ بمقدار ما ينير الحاضر ويُعين على توجيه المستقبل، ولوْلا فلسفة التّاريخ، لكان التاريخ مجرّد نبْش عن الواقع، يقيس الأمورَ بالبرجل والفرجار، ويَدسّ أنْفَه في الماضي للماضي؛ ولوْلا فلسفة التاريخ لأصبحتِ الفلسفةُ نَفْسها (إبسْتيمولوجيا)، أو قصرًا يُبْنى في الهواء، لا يصْلح للنّاس من أهل الإبداع، والنّماء، والابتكار، ثمّ إنّ الذين يَجْهلون التاريخ يكونون معرّضين دائما لتكرارِ أحداثه، وهنا تكْمُن عقدةُ العرب وسببُ تِكرارهم لأخطاء الماضي، ومُشْكِل قضية وحْدتِنا التّرابية، واسترجاع صحرائنا من يد المستعمر البائد، وافتعال الجزائر لـمُشكلٍ بواسطة خلْقها لميليشْيا إرهابية سَمّتْها [البوليساريو] لخير دليل على ما أسْلفنا؛ فهي أعني [الجزائر]، تريد خلْقَ استعمارٍ جديد في صحرائنا المسترجعة، وهو ما يؤكّد قولةَ المفكّر الجزائري [مالِك بن نَبِيّ]: [القابلية للاستعمار]؛ فإذا كان [المغرب] قد صفّى الاستعمارَ من صحرائه، فإنّ [الجزائر] تحاول إعادةَ خلقِه من جديد في الصّحراء المغربية المسترجعة وقد ضَحّتْ بكل شيء في سبيل خلقِ هذا الاستعمار..
سألتُ التّاريخ إنْ كان مثْل هذا قد حدثَ هنا أو هناك في مكان ما في هذا العالم ذات يوم، فكان جوابُه: نعم؛ حدث ذلك! قلتُ: أين ومتى حدث؟ فكان جوابُه بعْدَما جلسَ ليقُصَّ عليَّ، فقال: [في (فرنسا) التي كانت يومًا ما مُهدّدة بالتّجزئة، وبخلق كيانات مصطنعة، وقد فقدتْ إقليميْن هما (ألزاس واللُّورين)، كما سبقَ لها أن هُدّدتْ بالتّجزئة في (نورْماندي وكورْسيكا)، فمِن أين تريد أن أبتديكَ الحكاية؟]؛ قلتُ: اُذْكُر الأحداث حسب تَسلْسُلها الزّمني! قال: [إذنْ سأبتديكَ بحكاية (ألزاس لُورين)]؛ قلت: كما تريد! قال: [كان القائدُ الألماني (بيسمارك) قد هزمَ [فرنسا] سنة (1870) وضمَّ إقليمَيْ (ألزاس ولورين) إلى (ألمانيا)، وقد تمَّ حفْل الاستِسلام في قصر (الْـمَرايا) في (باريس)، وبعد الحرب العالمية الأولى، استعادتْ (فرنسا) الإقليميْن، وأصرّتْ على أن يَكون حفْل الاستسلام في قصر (اَلمرايا) في (باريس) لِلتّشفّي في (ألمانيا).. وبعد عشرين سنة، أي في (1940) خلال الحرب العالمية الثانية، اجتاح [هتلر] (فرنسا)، وأصرّ على أن تُوقَّعَ مراسمُ الاستسلام في عَربة قطار في (كُومْبيِين) وكان رقمُها (2419)، وقّع على الاستسلام الجنيرال الفرنسي [أُونْزِيغير]، ولما كان مارّا رأى [هتلر] تمثال الجنيرال الفرنسي [فوش] فأمرَ بتدميره، وكان قد نُظّمَ استفتاءٌ في إقليم [السّار]، كان نزيهًا وحرّا ولصالح النازيين وعاد الإقليمُ مجدّدًا لسيادة [ألمانيا] سنة (1935).
[الأمر نفسُه حدث لإقليم [السّوديت] التشيكوسلوڤاكي، حيث طالب [هتلر] بمنح الحرية لألمان (السّوديت)، فتبعتْه مهزلة اتّفاقية [ميونيخ] سنة (1938)، وادّعوا بأنّها أنقَذت السّلام في [أُوروبّا] وبعدها ابتلَع [هتلر] [La Tchéquie réstante]، لا، بل قسّم البلادَ إلى [تشيكْيا] ونصّبَ على رأسها النّازي [هينْ لاَيْن]، وإلى [سلوفاكْيا] وجعلَ على رأسِها النّازي [تيزُو]، وكذلك تريد أن تَفعل [الجزائر] بإقليم (السُّوديت) عفوًا بالصّحراء المغربية.. وبعد الحرب العالمية الثانية، تَبخَّر الاستفتاءُ في إقليم (السّار)، وعاد إقْليمَا (ألزاس ولورين) اللذان يَقطنهما (فرنسيون جِرْمان) ولم يَعُد أحدٌ يشكُّ في فرنسية هذه الأقاليم، لا، بل أُعدِم وحوكمَ كلُّ من كان وراء هذه الاستفتاءات وهذه الادّعاءات، وذلك بفضل عُقلاء [أوروبّا]؛ هؤلاء الذين تفتقر إليهم الأمّةُ العربيةُ، والقارّةُ الإفريقيةُ، وكذلك (مُنظمة الأمم المتّحدة) وهو ما زاد في غَيِّ وغطرسة [الجزائر] التي ترزَحُ تحت وطأة طُغْمةٍ عسكرية لا تَعْبأ بالتاريخ ولا بدروسه إطلاقًا]..
قلت: هل هناك حكاية أخرى مشابهة كان هدفُها التّجزئة والانفصال؟ قال التاريخ: نعم؛ هناك! قلتُ: اِحْكينِيها من فضلِك: قال [في (فرنسا) نفسها، كانت هناك حركةٌ انفصالية تزعَّمها (النُّورْماندِيون) في (نورْمانْدي) غرب (فرنسا) لأنّهم كانوا يقولون إنّهم ليسوا فرنسيين أصلاً، لأنّ جذورهم تعود إلى (الڤايْكينْغ) الإسكونديناڤيين، وكانوا يَفْخرون بدوقِ (نورْمانديا) وهو [وِليام الفاتِح]، وأنا أسمّيه [وليام اللّقيط] لأنّ نَسَبه مجهول، بل كان ابنًا غيْر شرعي، ولد سنة (1027) في مدينة (فاليس) شمال (فرنسا)، وهو الذي غزا (إنجلترّا)، ولم يتمكّن أحدٌ من بعدِه من غزْو هذه الجزيرة مثل [فيليب الثاني] الإسباني، و[بُونَبارت] الكورسيكي، و[هتلر] النّمساوي؛ فكان (النّورمان) يُسَمُّون الفَرنسيين: (المغتَصبون): [Les usurpateurs]، وكانوا يريدون الانفصال مثل الانفصاليين الذين تنفِق عليهم [الجزائر] من قوت شعْب يعاني الفقرَ، والحاجة، ولا يَعترف بما أسمتْه الطُّغمةُ العسكريةُ (البوليساريو) أو مهزلة (الجمهورية الصّحراوية السّريالية)، ولكن (فرنسا) بمساندة عقلاء [أوروبّا] أحبطَت هذه المحاولات الانفصالية، وقذفَتْ بها إلى مزبلة التّاريخ؛ وهناك أيضًا محاولة انفصال، ظهرتْ في جزيرة [كورسيكا] التي يَنتمي إليها [نابليون] الـمُلازم الأوّل الذي أصبح إمبراطورًا كما يقول (تولسْتُوي) في كتابه: (الحرب والسّلام)، وقد عانت (فرنسا) من إرهاب انفصاليي (كورسيكا)، ولـمّا لم يَعترف بهم أحدٌ من الأوروبيين، عادوا إلى رُشدهم، وجلسوا إلى طاولة المفاوضات، وأعلنوا انتماءَهم إلى الوطن الأمّ، وشاركوا في الحياة السّياسية، والتّنموية، ونفضوا أيديَهم من غبار الأوهام، ولم يعُدْ أحدٌ يتحدّثُ عن الانفصال، بل اعتبروها صفحةً سوداء، ونظِّمت انتخابات، وأُنشئَت مؤسسات، ونشِطتِ السّياحة، والرياضة، والفلاحة، في ظلّ (فرنسا) موحّدة؛ وكذلك يَنبغي للانفصاليين أن يَفْعلوا في الأقاليم الصّحراوية الـمُحرَّرة تحت سيادة مغربية]..

Exit mobile version