محمد فارس
[فرنسا] معروفة بتاريخها الدّموي الأسْود؛ و[فرنسا] دولةٌ صليبيةٌ، واستعماريةٌ، وعنصريةٌ، وبالجُملة (نابليونيةٌ) بامتياز.. [فرنسا] كانت أولَ دولة تتزعّم الحروبَ الصّليبيةَ، وقدِ انطلقت هذه الحروبُ من [فرنسا] بعد خطبة [أوربان الثاني] الفرنسي من (كليرمون) جنوب شرق البلاد.. [فرنسا] دولةٌ استعمارية وقد ذكر التاريخُ ما فعلتْه في [أوروبّا] حيث امتدّتْ أطماعُها إلى [روسيا] أيام [نابليون].. [فرنسا] منها انطلقَتِ العنصرية، ومن فيلسوفِها [دي غوبينو] أخذ النازيون تفوُّقَ الجنس الآري، وقدِ اكتوتْ [فرنسا] بنار العنصرية التي أفشتْها في [أوروبّا].. [فرنسا] دولةٌ حكمتْ على [إفريقيا] بالتّخلف الـمُزْمن، وعبثَتْ بحدود الدول فأعطتْ مناطقَ لدولٍ أخرى؛ لقد كان في [فرنسا] وزارةٌ تسمّى (وزارة المستعمرات)، وما زالت هذه الوزارةُ قائمةً حتى يومنا وإنْ تمّ تغييرُ اسمِها، ولكنّها ما زالتْ تَشتغل وهي التي تحدِّد السّياسات الفرنسية تجاهَ كلّ مستعمرة فرنسية سابقة، و[المغرب] لا يمثِّل استثناءً في هذه السّياسة الاستعمارية المقيتة؛ إنّه التاريخُ الذي لا نقرؤُه، بل نجهله وإنْ كان يوجد أمامنا لا خلْفنا على حدِّ تعبير [هايدغير].. دولةٌ واحدةٌ تمكّنتْ من التخلّص بشكل جذْري من ملوِّثات الاستعمار الفرنسي، هي [ڤيتنام] الأبيّة..
وبما أنّنا نعيش أجواء عيد [ثورة الملك والشعب]، تفضّلوا بهذه القصّة التي يرويها المؤرّخون الفرنسيون أنفُسهُم، وهي تَردّ على الكَذَبة والمهرّجين الّذين يدَّعون بأنّ الاستقلال مُنِحَ للمغاربة، ونحن نقول لهم: خسِئْتُم، إنّ الاستقلال انتُزِعَ من [فرنسا] بواسطة مجاهدين وطنيين أكفاء لم يكونوا يجامِلون أحدًا في [فرنسا] الاستعمارية.. خلال آخِر جولة من المفاوضات بين الوطنيين وبيْن فرنسي كان يُلقَّب: [L’homme de tous les talents]، وأعني به [إيدغارفور].. كان يقول للمفاوضين والمقاومةُ على أشُدِّها في [المغرب]: (يجب أن نتحدّثَ عن مصالح [فرنسا] بعد استقلال [المغرب])؛ فكان [عبد الرحيم بوعبيد] رحمه الله يقول للِسّيد [إيدغارفور] بلهجة فيها حِدّة ورباطة جأش وبصريح العبارة: [عودة الملك قبل كلِّ شيء]؛ فيستمرّ [إيدغارفور] في حديثه، فيقاطعه السيد [عبد الرحيم بوعبيد] قائلاً: [أوّلاً عودة الملك إلى عرشه، ثم سوف نرى]؛ فغضب [إيدغارفور] وقال: [je ne vous croyais pas aussi fétichiste!]، فكرّر السيد [عبد الرحيم]: [عودة محمّد الخامس أوّلاً ثم سوف نرى]؛ فقال [إيدغارفور] أمام هذا الإصرار: [d’accord, d’accord]، وعاد [محمد الخامس] طيّب الله ثراه إلى [المغرب] من منفاه وأعلن الاستقلال..
هل هناك وجْهُ شَبه بين [أخنوش] وبين [عبد الرحيم بوعبيد] في الوطنية الصّادقة وحبّ الوطن؟ هل هناك وجْه شَبه بيْن [ماكرون] وعبقريات [إيدغارفور]؟ الجواب كلاّ! وألْفُ كلاّ! (فعبد الرحيم بوعبيد) كان مفعمًا بالصّدق في اللّهجة، ولم يكُنْ يهاب أحدًا، لأنّه صاحب حقّ ويمثّل شعبًا وعلى كتفه أعباء أمّة، وأما [أخنوش] فهو صاحبُ أموال وأعمال، سُلِّطَت عليه الدّنيا فأنستْه مسؤوليتَه المقدَّسة.. ورئيسُ [فرنسا] المدعو [ماكرون] هو مجرد قزَم بالقياس إلى العِملاق [إيدغارفور] السّياسي الـمُحنّك الذي طَبعَ سياسةَ [فرنسا] وأُلِّفَتْ فيه كتبٌ شتّى؛ و[ماكرون] في الانتخابات الأخيرة، لم يحصل حتى على أغلبية مريحة لولا مساندة [ميلونشون] لسدِّ الطّريق أمام اليمينية المتطرفة [مارين لوبين]؛ [ماكرون] هو مجرد نَمِر من ورق، فكان على [المغرب] مقابلة مسألة مَنْع المغاربة من (الفيزا) بالـمِثل، وأنْ يهدّد بإلغاء اللّغة الفرنسية من منظومة التعليم، وأن يقاطِعَ المغاربةُ كلَّ ما هو فرنسي.. لقد رأيتَ شعبَ [غينيا بيساو] قابل [ماكرون] باحتجاجات صاخبة ممّا أجبره على القيام بفتح أرشيف الاستعمار الفرنسي في [غينيا بيساو]، لأنّ [فرنسا] لا تُؤْمن إلاّ بالقوة.. كان على اليسار المغربي إن كان يسارًا حقّا وصدْقًا أن يناقش القضيةَ مع السّيد [جون لوك ميلانشون] وهو مغربي المولد والنّشأة ليطرحَ قضيةَ منْع المغاربة من (الفيزا) في [الجمعية الوطنية] وهو المعروف بكاريزمِه، وفصاحتِه، وحدّة لهجته؛ بل هو الذي كان أحقّ برئاسة [فرنسا] بدل الأقزام الذين نَفذوا إلى [الإليزيه] بواسطة مكْر، وخداع [روتشيلد].. بعد هذه المذلّة والإهانة كان على حكومة [أخنوش] وزبانيته، وتُجارِه، وسماسِرته أن تقدّم استقالتها، وتَعترفَ بعجزها وتَذهَب إلى خدمة أموالها وإدارة أعمالها وتَتْرك السّياسةَ لرجالِها.. وآخرُ ما نختم به هذه المقالة الملتهبة هو قوْل الشاعر [ابن ماكولا] بتصرُّف في شعره: [قوِّضْ خِيامكَ عن فَرنْسة تُهانُ بها * واجتنبِ الذُّلَّ فإنّ الذُّلَّ يُجْتَنَبُ]..
لماذا تَستَأسِد فرنسا على المغاربة؟
